فى ظل التأثيرات السلبية للصراعات والحروب العالمية، وحملات الغزو الثقافى المستورد، والدخيل على مجتمعاتنا، وكذلك تداعيات الأزمات العالمية بالإضافة إلى التطرف والتشدد والعنف والتعصب وانتشار أدوات الحرب الممنهجة مثل الآثار الشاذة والمخدرات، ناهيك عن التغافل خلال العقود الماضية عن حماية العقل المصرى وانتشار الثقافة الاستهلاكية، التى رسخت الانتهازية ثم الفوضى والعشوائيات وانتشار ظاهرة التوك توك والميكروباصات، والتدنى الفني، والغنائى والتقليد الأعمى للغرب وتآكل طبقة «الصنايعية» والبحث عن المكسب الأسهل والسريع، وتفشى الزحام والتكدس بسبب معدلات هائلة فى النمو السكانى مع محدودية الموارد وغياب رؤية البناء والتوسع العمراني، كل ذلك وراء موجات وظواهر بعض جرائم العنف فى المجتمع، وهى جرائم مؤلمة ومأساوية غابت عنها أدنى درجات الإنسانية أو الرحمة فى ظل تأثيرات مدمرة للتكنولوجيا والسوشيال ميديا وما تحويه من أفكار ومضامين وسلوكيات غريبة وشاذة، فى الغالب مقصودة ومتعمدة تستهدف احتلال العقول، وتغيير الهوية وتجريف المنظومة الأخلاقية فى المجتمع فلك أن تتخيل أن جماعات الإرهاب تنشر فيديوهات القتل والذبح عبر وسائل الإعلام الإلكترونى والسوشيال ميديا ناهيك عن التحريض على القتل والعنف، لذلك فنحن أمام حالة استثنائية وغير مسبوقة لعالم بات يحمل كل مقومات الفناء، وملامح حياة الغاب، فى ظل إصرار مؤسسات التربية والتنشئة على اتباع الأساليب التقليدية والنمطية فى بناء وتقويم السلوك وتربية الأجيال الجديدة المحاصرة بحجم هائل من التحديات والمضامين والسلوكيات والعنف والقتل والمخدرات والأفكار والسلوكيات الشاذة، ومحاولات تصدير مكافآت وسلوكيات وممارسات لا تناسب مجتمعاتنا لذلك لابد أن يختلف التناول والعلاج والتربية والتقويم والتعاطى مع الأفراد فى المجتمع سواء فى مؤسسة الأسرة، التى شهدت تهدماً كبيراً وباتت شواغلها واهتماماتها بعيداً عن تربية صحيحة للصغار وتركتهم فريسة للتكنولوجيا الحديثة، والإنترنت والسوشيال ميديا، ومضامين ومحتوى شاذ وغريب أهدافه خبيثة تسعى لتشكيل وعى الصغار وتربيتهم على طريقة مغايرة لمجتمعاتنا فى ظل انشغال هذه الأسر بأمور وتطلعات غاب عنها الرضا، فالغنى والفقر لم يكونا أبداً ضمانة لتربية صحيحة، فعظماء العالم هم أبناء الطبقة الفقيرة، ونُخب المجتمعات، من قادة وساسة وعلماء ومفكرين ونجوم هم أبناء الطبقة الفقيرة من هنا وجب دون مواربة استعادة دور الأسرة غير الموجود بالأساس، حتى وإن كان شكلياً، فالزوج والزوجة هما نتاج لمجتمعات محاصرة باهتمامات وأفكار ووسائل وسلوكيات وإغراءات وتطلعات كثيرة تفوق طاقتها، لذلك فإن الرضاء والإرادة والرؤية على بناء أجيال صحيحة العقل والبدن والأخلاق والسلوكيات هى ما يجب أن يكون أهم أولويات الأسرة المصرية، ومن هنا أيضاً وجب تجديد الخطاب الأسرى فى التربية والتنشئة بل العودة إلى روح الأسرة المصرية بطريقة عصرية، فلا يجب أن يكون الإعداد والتأهيل على الزواج قاصراً على أساليب التعايش والتجانس الزوجي، ولكن أيضاً على أساليب وطرق التربية الصحيحة.
تجديد الخطاب التربوي، يحتاج وقفة شاملة مع دور المدرسة، أو المؤسسة التعليمية وعلينا أن نكون أكثر صراحة ومواجهة وصدقاً مع أنفسنا بدلاً من عناوين لا تحمل مضامين حقيقية، فالمدارس فى الأساس لا تستقبل التلاميذ، وهم موجودون فى «السناتر»، فلا يجب أن نتحدث عن دور المدرسة، قبل أن نطمئن على سير العملية التعليمية، لذلك لابد أن نعترف أن دور المدرسة فى التربية ليس بالدور القوى أو المناسب، فى ظل عدم ذهاب التلاميذ والطلاب للمدارس خاصة المرحلتين الإعدادية والثانوية، واكتفائهم «بالسناتر» والدروس الخصوصية التى تسيطر عليها نظرية المكسب والتجارة ولا تبحث عن دور تربوى لذلك قبل الحديث عن دور لابد من وجود المدرسة بالشكل المطلوب بمعنى تلاميذ ومعلم، ورؤية، وانضباط وحضور ومضامين ومحتوي.
هذه المصارحة لا تنص ولا تلغى أن هناك جهوداً على طريق الإصلاح والتطوير والتحديث لكننا نتحدث من الدور التربوى للمدرسة كمؤسسة مهمة تتبنى مقولة التعليم فى الصغر كالنقش على الحجر، لذلك لابد من إعادة التلاميذ إلى المدارس، والاهتمام بتأهيل المعلم ليس فقط على التخصص أو المناهج ولكن على طريقة التواصل والتربية لتحقيق أهداف العملية التربوية والتعليمية.