لتجاوز التحديات الحالية التى تفرضها أجندة ترامب الوطنية «أمريكا أولاً»، يتعين على دول الجنوب العالمى تبنى استراتيجيات تركز على الصمود، والقدرة على التكيف، والشمولية. من الضرورى فى هذا المناخ المتوتر أن تبتعد هذه الدول عن الانجرار إلى المنافسة الثنائية بين الصين والولايات المتحدة، وأن تسعى للحفاظ على الحياد الاستراتيجى، والانخراط فى دبلوماسية ذكية، يمكن أن تحمى السيادة وتعزز الاستقرار الإقليمى. إن تراجع التحالفات التقليدية فى ظل سياسات ترامب يشكل فرصة لدول الجنوب العالمى لبناء شراكات جديدة، فى محاولة لتنويع خياراتها الاستراتيجية وتقليل الاعتماد على قوة واحدة بعينها.
يتعين على هذه الدول التركيز على الابتكار والاستدامة من خلال الاستثمار فى الصناعات المتطورة مثل أشباه الموصلات، والذكاء الاصطناعى، والطاقة المتجددة. وكمدافع عن اقتصاد المعرفة، لقد أكدت مراراً على أهمية دمج الاستدامة فى عملية الابتكار، لضمان تحقيق منافع طويلة الأمد للجميع. يجب على هذه الدول تعزيز الروابط الاستراتيجية مع التكتلات الإقليمية العالمية، والسعى لتجاوز قدراتها الحالية لتعزيز التعاون الذى يتخطى الانقسامات الجيوسياسية، وتقديم الأولوية للسياسات التى تعالج قضايا الفقر وعدم المساواة، مما يضمن توزيع المكاسب الاقتصادية بشكل عادل، حيث إن الشمولية تعد ضرورة استراتيجية لضمان الصمود.
فى ظل ما يجرى حالياً على الساحة العالمية، أعتقد أن دول الجنوب العالمى تمتلك القدرة على إعادة تشكيل النظام العالمى من خلال تعزيز الدعوة الى العدالة والمساواة. لقد حان الوقت للدفاع عن المعايير الدولية التى تساهم فى دعم السلام والازدهار، مع الدعوة إلى إصلاح الأنظمة البالية التى لم تعد تلبى المصالح العالمية. ومن خلال هذا النهج المزدوج، المتمثل فى الدفاع عما هو فعال وإصلاح ما لا يعمل، يمكن للدول الصغيرة أن تثبت جماعياً قدرتها على التأثير.
يجب على تلك الدول أن تضع فى أولوياتها بناء الثقة والشفافية داخل مجتمعاتها، والاستثمار فى حملات التوعية العامة الشاملة وبرامج المعرفة الرقمية لتمكين مواطنيها من اكتساب المهارات الرقمية الحديثة، والقدرة على تقييم المعلومات بشكل نقدى، ومقاومة السرديات التى تروج للانقسام سواء كانت من الداخل أو الخارج. يعد ذلك أمرًا أساسيًا لتعزيز التماسك الاجتماعى وضمان توزيع فوائد النمو الاقتصادى والابتكار بشكل عادل، مما يسهم فى خلق قاعدة أكثر استقرارًا وتوحدًا للتنمية المستقبلية، ويعزز ثقافة الحداثة، ويعمل على إنتاج قوة عاملة تتمتع بمهارات رقمية متقدمة.
من خلال إدراك الفرص المتاحة فى ظل التحديات التى تفرضها المنافسة بين الصين والولايات المتحدة وسياسات ترامب، قد تتمكن دول الجنوب العالمى من وضع مسار نحو تعزيز الصمود والازدهار. لم يعد وقت الوحدة والتعاون أكثر إلحاحًا مما هو عليه الآن، حيث إن لدول الجنوب العالمى دورًا حاسمًا فى تشكيل نظام عالمى أكثر عدلاً واستدامة.