لحظة من فضلك.. هل بدأت تفقد بعضا من وزنك خلال الشهر الفضيل؟.. إن كانت الإجابة هى العكس.. إن كان مؤشر وزنك قد بدأ فى الزيادة ولو لعدة جرامات.. فقد حرمت نفسك من أهم فوائد الصيام.. والفوائد الصحية للصيام الرمضانى، بمعنى الامتناع الكامل عن الطعام والشراب لفترة زمنية محددة لا تعد ولا تحصى.. وقد استأثرت باهتمام قطاعات كبيرة من العلماء.. وكان صيام رمضان وما يمنحه للمسلم الصائم من سعادة نفسية وسلامة صحية ملهما للكثير من الدراسات العلمية التى اقتصر التركيز فيها على الجانب المادى للصيام.. أى جانب الامتناع فقط دون التطرق إلى الطاقة الروحية فى نفوس الصائمين.. وبرغم ذلك توصلت معظم هذه الدراسات إلى نتائج شديدة الأهمية.
من هذه النتائج على سبيل المثال أن انخفاض كمية ما نتناوله من طعام خلال شهر رمضان.. هذا بالطبع فى حالة الالتزام بالسلوك الغذائى السليم وعدم الإفراط فى تناول الحلوى وأغذية التسلية التى نتناولها بعد الشبع.. يمكن أن يكون خطوة مهمة جداً على طريق الشباب الدائم وتأخير أعراض الشيخوخة.. هذه الحقيقة تطرح تساؤلا مهما: ما علاقة كمية ما نتناوله من طعام.. بأعراض الشيخوخة أو بالشباب الدائم؟.
تعالوا نتأمل ما يحدث فى الصحة والمرض لنقترب قليلا من الحقيقة.. ما يعرفه الكثيرون أن الإصابة بالكثير من الأمراض ترتبط بعرض شائع جداً وهو فقدان الشهية للطعام.. بل إن فقدان الشهية قد يسبق معظم الأعراض الأخرى للمرض.. حتى ولو كان المرض ليس له علاقة بالجهاز الهضمى.. فلمإذا يفقد المريض شهيته للطعام؟.
إن فقدان الشهية إحدى آليات الدفاع الطبيعى للجسم فى مواجهة المرض.. فتناول كميات كبيرة من الطعام يشغل الجسم بعمليات شديدة التعقيد تستهلك الكثير من الطاقة وتستأثر بجانب كبير من مجهود الدورة الدموية.. والجسم فى حالة المرض يحتاج إلى كل طاقاته وقواته لمقاومة المرض والدفاع عن الجسم.. والجهاز المناعى وآلية الشفاء الذاتى التى وضعها الخالق سبحانه وتعالى فى أجسامنا لتعيننا على مواجهة عوامل المرض تكون فى أفضل حالتها عندما نجوع أو عندما نتناول قدراً معقولاً ومناسباً من الطعام.
الكثير من الدراسات أثبتت أن تناول كميات كبيرة من الطعام تفوق احتياجات أجسامنا يعجل بأعراض الشيخوخة.. وعلى سبيل المثال قام فريق من العلماء بإجراء دراسة حول تأثير خفض كمية الطعام بنسبة 30 بالمائة «حوالى ثلث كمية الطعام المعتادة التى نتناولها كل يوم» على الصحة العامة للانسان.. ولأن الإنسان لا يمكن أن يكون حقل تجارب فى الأمور التى تتعلق بسلامته الصحية فقد أجريت التجارب على مجموعة من الحيوانات شملت الفئران وأنواعاً من قرود الشمبانزى.
الدراسة التى أجريت فى الولايات المتحدة لم تكن تهدف إلى دراسة تأثير الصيام الإسلامى على الصحة ولم يكن لها علاقة من قريب أو بعيد به.. فقد اجريت فى إحدى الجامعات وقام خلالها العلماء بتقليل كمية السعرات الحرارية التى تتناولها حيوانات التجارب بنسبة 30 بالمائة.. وكانت المفاجأة أن المعدل العمرى أو متوسط العمر للفئران والقرود زاد بنسبة تراوحت بين 40 إلى 47 بالمائة. وأن علامات وأعراض الشيخوخة فى هذه الحيوانات قد تأخرت بشكل كبير عن الحيوانات الأخرى التى لم تخضع لنفس التخفيض.. وصيام رمضان بمعناه المادى يعنى خفض كمية ما نتناوله من طعام يوميا بمقدار الثلث.. لأننا نتناول وجبتين بدلا من ثلاث.
يؤكد الأطباء أن ارتباط الجوع بالصحة يعود إلى نظرية حديثة نسبيا دخلت فى تفسير الكثير من الظواهر المرضية التى لا يزال العلم لا يعرف لها حلا ناجعا، مثل الأورام السرطانية وأمراض القلب والشرايين وأمراض المناعة ضد الذاتية كالروماتويد والذئبة الحمراء والفشل الكلوى المناعى وغيرها الكثير.
وتعتمد هذه النظرية على حقيقة أن احتراق الغذاء وتوليد الطاقة ينتج عنه ذرات أكسجين أحادية حرة.. وتكون هذه الذرات نشطة جدا بحيث تحاول أن تعدل وضعها الجزيئى الشاذ على حساب الخلايا.. أى أننا نكون هنا أمام ظاهرة مشابهة لخروج عادم احتراق الوقود فى السيارة والذى يحتوى على الكثير من السموم.. ووجود هذه الشوارد الاكسيجينية الحرة يسبب كل مظاهر تدمير الخلايا الحية فى الجسم وقد يصل إلى إحداث طفرات مرضية فى الحمض النووى لبعض الخلايا يؤدى إلى خلل جينى ينتج عنه سلوك مرضى شديد الخطورة.. وهو ما يفسر من وجهة نظر أصحاب هذه النظرية الإصابة بكل الأمراض الخطرة السابق ذكرها.