من حقنا أن نحتفل بعيد تحرير سيناء فى شهر ابريل من كل عام.. لكن من واجبنا أن نبقى هذا العيد حياً فى وجداننا جميعاً كشعب، وفى وجدان أجيالنا الحالية والقادمة فى كل الشهور والأيام.
إن مغزى تحرير سيناء، بكل أبعاده، كان، وسيظل، أكبر من مجرد استعادة جزء من أرض الوطن تعرض للاحتلال، بل كان رمزاً لملحمة وطنية وقومية رائعة، مثلت ـ ومازالت تمثل ـ مصدر إلهام لكل الشعوب، فى رفض العدوان، ومقاومة الاحتلال، وتحرير الأرض، واستعادة السيادة، حرباً أو سلاماً، مهما كانت التضحيات.
ولم يكن تحرير سيناء، كملحمة بهذا الحجم والمغزي، إلا حلقة فى سلسلة تاريخ طويل ومجيد من نضال الشعب المصرى على مدى آلاف السنين، ضد كل ما تعرضت له بلاده وأرضه من غزوات خارجية أو سطوات داخلية.
تاريخ طويل ومجيد، سطره المصريون بدماء شهدائهم على مر العصور، علّمت مصر به العالم معنى الحرية والكرامة والسيادة، حتى استحقت أن يطلق عليها شعار: مصر مقبرة الغزاة.
إن ما يشرفنى ويشرف كل مصري، أننا أبناء شعب لم يتوقف نضاله أبداً عند تحرير أرضه أو الاكتفاء بحماية حدوده، بل حمل شعلة الثورة ضد الاستعمار والاستغلال، وحرّض الشعوب على التخلص من الهيمنة الأجنبية على مقدراتها، وقاد حركة شاملة للتحرر الوطني، ليس فقط فى دائرتيه الأقرب وهما الدائرة العربية والدائرة الإسلامية، بل فى قارات الجنوب الثلاث قاطبة: أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية.
ولنا أن نفخر بأن كثيراً من شعوب هذه القارات، مازالت تحتفظ فى ذاكرتها الوطنية بما تركه لها قادة تحريرها من رصيد الاعتراف والامتنان بدور مصر فى تحررها.
آن لنا أن نتذكر أننا حررنا سيناء «بالحرب».
وأن الحرب لم تكن خيارنا الأول، وإنما بعد ست سنوات من الاحتلال، فشلت خلالها كل الجهود الإقليمية والعالمية فى التوصل إلى تسوية سلمية نستعيد بها سيناء.. من القرار 242 إلى مبادرة «يارنج»، ومبادرة «روجرز» وغيرها.
ولم تكن قوة جيشنا ـ بمقياس الأسلحة والمعدات، ونوعيتها ومدى حداثتها وتطورها ـ مساوية أو حتى مقاربة من قوة «الجيش الإسرائيلى الذى لا يقهر» كما أطلقوا عليه، خاصة سلاح طيرانه الذى كان يمثل ذراعه الطويلة الأكثر تفوقاً فى المنطقة كلها.
وقد رفض الاتحاد السوفيتى وقتها كل مطالب السادات بدعم الجيش المصرى ببعض الأسلحة المتطورة.
ولم يكن اقتصادنا فى أفضل حال، ولا مخزوننا السلعى كبيراً بما يلبى احتياجات الشعب فى حرب غير معروف مسبقاً كم من الأيام أو الشهور ستستمر.
فضلاً عن صعوبة عبور القوات الحاجز المائى قناة السويس ـ والتعامل مع أكبر ساتر ترابى منذ الحرب العالمية الثانية، وهو خط بارليف على الضفة الشرقية للقناة.
ولو كانت حروب ومعارك التحرير تحسب بالورقة والقلم، لكان القرار الاضطرارى هو تأجيل الحرب.
لكن الشعوب الحية، تعتبر احتلال أرضها أو جزء منها «عاراً وطنياً»، والسكوت على استمراره قبولاً بالمهانة والإذلال، وما أُخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة مهما بلغت التضحيات.
وهكذا كانت حرب تحرير سيناء حرباً ضد الاحتلال، وضد الظروف غير المواتية للحرب نفسها.
كان الاعتماد فيها أولاً على الله، وعلى جبهة داخلية طالما تاقت لتقريب موعد الخلاص من الاحتلال، وتقف موحدة وراء جيش يتحرق أبطاله شوقاً للثأر من العدو، وإعادة سيناء إلى حضن الوطن.
ومع انطلاق الحرب وإثبات الجدية فيها، تدفقت على مصر أشكال من التعزيزات العربية، العسكرية والاقتصادية، الفعلية والرمزية، وتجلّى التضامن العربى فى أبهى صوره بقرار قطع إمدادات البترول العربى عن الغرب المؤيد لإسرائيل.
الشعب الذى هذا تاريخه، وتلك صحيفته النضالية، هو الأحق بتقدير ما حدث ويحدث فى غزة والضفة الغربية المحتلة من نفس العدو الإسرائيلى الذى هزمناه.
لقد عانينا من الاحتلال الإنجليزى لمصر بالكامل مدة واحد وسبعين عاماً قبل أن تنجح الثورة ضده فى يوليو 1952 ونتمكن من طرده فى يونيو 1954 باتفاقية الجلاء.
وقد عانت فلسطين وشعبها من اغتصاب أرضها واحتلالها على مراحل لأكثر من خمسة وسبعين عاماً قاومت خلالها عبر ثورات وانتفاضات قبل أن تقع انتفاضة الأقصي.
إن العدو الإسرائيلى المحتل، لم يترك للشعب الفلسطينى خياراً غير الانفجار فى انتفاضة الأقصي، حتى تصل صرخته لآذان العالم كله.
أحبط العدو كل مبادرات السلام وجمّد عمليته وأضعف السلطة الفلسطينية التى تعلق أملها على السلام.
أغلق بالحصار الذى فرضه على قطاع غزة كل منافذ الحياة الطبيعية على أهله.
لم تتوقف اعتداءات جيشه على الضفة الغربية قتلاً وتدميراً واعتقالاً، بينما يتحرش مستوطنوه يومياً بالمقدسات فى حراسة جيشه.
وفلسطين دولة اعتبارية وتحت الاحتلال، بلا جيش يحميها أو يدافع عنها، والمقاومة المسلحة هى ذراعها الوحيدة.
فما هو الخيار الآخر الذى كان متاحاً أمام المقاومة ولم تلجأ إليه؟!
يقولون إن جماعات وفصائل المقاومة أدوات يحركها الخارج.. فما الذى أعطى الفرصة للخارج سوى الفراغ العربى الذى لم يجد من يملؤه؟! وهل وجدت هذه الجماعات من يتبناها عربياً فى إطار الأمن القومى العربى ورفضت؟!
يقولون إنها أخذت قرار انتفاضة الأقصى دون التشاور مع أحد.. فمن هو هذا الأحد، فى ظل انقسام عربي، وقنوات تواصل سرية وعلنية مجانية مع العدو؟!
إن الشعب الفلسطينى يتصدى وحده لحرب إبادة جماعية وتهجير قسرى وطوعي، وتجويع وتدمير لكل مقومات الحياة.. فهل انتهى الأمر بنا إلى أن يكون تحرير فلسطين أو إقامة الدولة الفلسطينية، أو الحفاظ على المسجد الأقصى مسئوليته وحده بينما أكثر من 52 دولة عربية وإسلامية لا تملك له إلا المساندة الكلامية بالإدانة والشجب ومصر تحاول جاهدة بكل سبل الدعم، فأين الآخرون؟!
إننا نستنكر صمت العالم على جرائم الاحتلال فما الذى قدمناه من فعل نحن أهل المجنى عليه لوقف هذه الجرائم حتى يقتدى العالم بنا؟!