من الطبيعى أن يثير هذا العمل الجدل والنقاش وتوقعوا ما هو أكثر لأن ميليشيات اخوان الشياطين على السوشيال ميديا.. تتربص به قبل اذاعته وبمجرد كشف البرومو الدعائي.. لأن المسافة صفر بين حسن الصباح زعيم الحشاشين.. وحسن البنا زعيم المحتالين تجار الدين.. وهذه المسافة الصفرية هى بحيرة من الدم والاغتيالات و«التقية» بإظهار عكس ما تبطن وأن تبرر كل فعل حرام.. باسم الدين بما فى ذلك السرقة وتجارة السلاح والمخدرات.. لأن الهدف هو السلطة وليس الله سبحانه وتعالي..
طبيعى أن نترقب هذا العمل لأنه يحمل اسم عبدالرحيم كمال الذى كتب عقداً غير معلن بينه وبين المتفرج ألا يقترب من القلم إلا اذا كان الموضوع يحترمه.. ويضيف إليه جديداً سواء اتفقت أو اختلفت معه.. يكفيه ارتباط اسمه بأعمال من نوعية الخواجة عبدالقادر ـ ونوس ــ دهشة ــ جزيرة غمام ــ نجيب زركش ـ الرحايا ــ شيخ العرب وهو ما يحمله المزيد من المسئولية فى عصر تطورت فيه تكنولوجيا التصوير والصوت والديكور وزادت الميزانيات.. لكن ورش التأليف افسدت العملية.. وظلت قاصرة عن مواكبة هذا التطور واكتفت باقتباسات وسرقات.. وظلت النصوص التى تحمل اسم المؤلف المبدع هى الأنجح والأفضل.. فى أغلب الأحوال.. وطبيعى أن يلفت العمل الانظار قبل عرضه ومخرجه شاطر وموهوب.. وفى طليعة الاسماء الموجودة على الساحة.. وهو بيتر ميمي.. وطبيعى ايضا أن يكون اسم سينرجى بما توفره من ميزانيات شهادة ضمان..
والأكثر من كل هذا اشتياق الجمهور لأعمال جادة تحرك دماغهم وتفتح أبواب النقاش والجدل والتاريخ فيه من الكنوز ما يحتاج إلى مئات المسلسلات.. وليس معنى ذلك أن نمنع الكوميديا والاجتماعيات ولها جمهورها والتنويع واجب.. وتظل كتابة الأعمال التاريخية مهمة صعبة لا يقدر عليها إلا الباحث المحقق الذى يعرف مقدما أن جهده يمكن أن يعيش لسنوات ويتعب بنفس راضية.
أصل الحكاية
لقب الحشاشين جاء من الكلمة الفرنسية (Assassin) أى القاتل وفى الانجليزية (Hashashin).. ورغم أن الحشيش كمخدر لم يكن حاضراً فى سيرة حسن الصباح.. لكن صفة القتل أقوى لانها العقيدة الدموية فى طبيعة هؤلاء الذين قتلوا كل من اعترض طريقهم ووضعوا صلاح الدين الأيوبى والخليفة العباسى المسترشد بالله على قائمة الاغتيالات «بيفكرك بايه هذا الأسلوب).
الصباح كان قارئاً وكاتباً وفلكياً وعالم رياضيات وباحثاً فى العقيدة.. وهذا هو أخطر أنواع الشر المدروس وانتقاله من بلاد فارس إلى مصر والشام وبيروت وألبانيا والعراق وله عدة كتب أخذ العهد على يد عبدالملك بن عطاش ونصحه بالذهاب إلى مصر وقت الحكم الفاطمى الشيعى حتى ابعده بدر الجمالى «مؤسس حى الجمالية».. لإحساسة بخطورة الرجل والسؤال: هل يمكن الحكم على مسلسل من حلقاته الأولي؟
والاجابة نعم نعم نعم لأسباب قدمت أغلبها فى مستهل كلامى عن عمل مهم فيه مفاجآت فنية واضحة حتى للمتفرج العادى الذى لاحظ اماكن التصوير وشكل الصورة عموماً بقيادة حسين عسر وادعوك للوقوف أمام التتر الغنائى الذى يؤديه وائل الفشنى من تراث عمر الخيام «يلعب دوره نقولا معوض» وهى نفس الكلمات التى غنتها أم كلثوم من لحن السنباطي.. لكن بإبداع مختلف يحمل اسم الموسيقار أمين ابوحافة بموسيقى تواكب الصورة.. وتلعب دوراً بارزاً فى اكتمال العمل الذى يضيف إليه عباس صابر بتنسيق المناظر ومحمد حافظ بالمكياج ومحمود فكرى بالأزياء وأحمد حمدى بالمونتاج.
ثم تتأكد المقولة التى بح صوتى فيها مراراً وتكراراً.. بدون نص يستفز الممثل ويفجر طاقته الكامنة لن ينجح كلينت استود أو ألباتشينو وروبرت دنيرو مهما فعلوا.. وعودوا إلى الروايات والنصوص الكبيرة حيث تكبر الأعمال مع كبار نجوم الافلام اصحاب الخبرات.. وفى المشهد هذا العام بعضهم.. حتى لو كانوا من صغار السن.
الم يلفت نظرك أحمد عيد وفتحى عبدالوهاب وميرنا نورالدين وإسلام جمال وعابد عنانى ومحمد سليمان الذى خرج من سجن الزوج الخائن المزواج ونضال الشافعى المجتهد جداً فكيف يمكن أن نمر مرور لكرام على قصة رجل يقول للناس أنه يملك مفتاح الجنة.. ويتلاعب بالعقول ويتغير ويتلون.. ويظهر ويختفي.. حتى اطلق عليه اعوانه ومريدوه:
زعيم الدعوة / الحجة / البرهان / نبع المعرفة..
خطورة المسلسل أنه يكشف لك كيف أفسدت الأطماع السياسية المشهد الإسلامى الجليل الذى كان باستطاعته أن يسود العالم بالحكمة والموعظة الحسنة والمودة والتعايش والتسامح مع الجميع.. الآن اعتدى وبغى وطغي.. وإذا كان المحتل الغاصب الغاشم يعطى ليده الملوثة حق الدفاع عن نفسه الامارة بالسوء.. وينكره على اصحاب الحق كما نرى هذه الأيام فالإسلام واحد.. لكنهم مزقوا اوصاله بسكين الطوائف والمذهبية.. وحتى فى نطاق المذهب الواحد سواء السنى أو الشيعى إلا من رحم ربي.
فهل تستطيع قلعة «الموت» الحصينة التى اشتراها الصباح وتقوقع داخلها.. لأكثر من 35 سنة.. أن تحمية وهو الذى يعرف مقدماً.. أن دولة الباطل والاحتيال ساعة.. ودولة الحق والاعتدال والسماحة إلى قيام الساعة.
مسلسل «الحشاشين» لن تتفق معه على طول الخط.. ولكنك لا تستطيع بحال تجاهل هذا الجهد الكبير ويكفى أن يجعلك تذهب إلى المكتبة لتقرأ بنفسك وتقارن وتعرف وتتأكد أن من دار فى الماضى له حضوره فى واقعنا وإن اختفلت الاسماء والمسميات والاماكن.. وتلك الأيام نداولها بين الناس.. اللهم احفظ مصرنا الغالية من المكائد وأهل الشر مهما تلونوا وناوروا!