بعد أيام يرحل عام ويولد عام وبين الرحيل والميلاد تتدفق الأمنيات والذكريات.. أما الرحيل فتشيعه مشاعر حزن على ما انقضى من عمر لن يعود، وهنا يحضرنى ما ورد فى الأثر (إن المؤمن بين مخافتين: بين أجل قد مضي، لا يدرى ما الله صانع فيه؛ وبين أجل قد بقي، لا يدرى ما الله تعالى قاض عليه فيه، فليأخذ العبد لنفسه من نفسه، ومن دنياه لآخرته؛ ومن الشبيبة قبل الكبر، ومن الحياة قبل الموت، والذى نفس محمد بيده: ما بعد الموت من مستعتب، ولا بعد الدنيا دار، إلا الجنة أو النار).. هكذا تتجلى حقائق الرحيل مؤلمة تنعى سنوات عمر تتسرب بين أناملنا دون قدرة منا على إيقاف عجلة الزمن.. أما الميلاد فهو دائم أمل تصحبه فرحة وبهجة بمولود جديد نتمناه أن يكون خيرا مما سلف من سنين العمر التى لا تكف عن الجريان بسرعة مدهشة.. فيا أيها الزمن ترفق بنا واجعل يارب ما بقى خير مما ولي!
بعد أيام نودع عاماً آخر بحلوه ومره.. ويحدونا الأمل أن يعوضنا الله خيرًا مما مضى من عمرنا، وأن يكون عامًا فيه يُغاث الناس، وتغسل فيه الهموم ونودع الأحزان التى تعتصرنا فى كل لحظة تسفك فيها دماء أبرياء فى فلسطين التى لا يزال المجتمع الدولى يتفرج على ما تقترفه آلة القتل الإسرائيلية من جرائم إبادة يشاهدها الناس على الشاشات وكأنها «خيال علمي» فيحزن من يحزن ويتألم من يتألم.. لكن لا أحد قادر على وقف الإبادة ولا حقن دماء الأبرياء خصوصا من النساء والأطفال الذين لا يرحمهم جنون اليمين المتطرف الذى يجدف ضد إرادة المجتمع الدولى انتظارا لتسلم ترامب للحكم رسميا فى البيت الأبيض فى عشرين من الشهر المقبل ولا يعلم إلا الله ماذا ينتظر عالمنا العربى مع جموح ترامب الذى لا يتورع عن التهديد والوعيد بالويل والثبور وعظائم الأمور..فماذا سيفعل العرب لكبح جماح دونالد الأمريكى واليمين الإسرائيلي..؟!
هكذا تمضى الأحداث فى غزة ولبنان بين قتل وتدمير حتى اعتدنا عليها وكلما تفاقمت المأساة فى غزة من حصار وتجويع وقتل وترويع تفقد الإنسانية براءتها وضميرها أمام عجزها عن وقف حمامات الدم وتتحول شيئًا فشيئًا إلى عالم متبلد المشاعر ينتظر معجزة تعيد له الشعور بالأمن والأهم أن تعيد له الشعور بالإنسانية.. وندعو الله أن يكون عامنا هذا الذى نحن على أبوابه أحسن مما قبله وأن ينعم الله على البشرية بلطف ورحمة من عنده توقف الحروب وتمنع الدمار وتردع الطغاة الجبابرة سفاكى الدماء الذين لا يبالون بقتل أرواح الأبرياء وتحويل الحياة إلى جحيم لا يطاق.
عامٌ مضى وعامٌ أتى وبينهما شريط ذكريات يتدفق يحكى فصولا أو مشاهد وذكريات من العمر الذى يتسارع يقطع محطة تلو الأخرى وصولاً إلى نهاية ندعو الله أن تكون حسنة ترضيه وتجعلنا فى رحمته ورضوانه.
ويحدونا أمل عريض أن تتبدل أحوال الأمة العربية للأفضل وتسترد عافيتها ووحدتها حتى لا تتساقط دولها الواحدة تلو الأخرى فى براثن الفوضى والإرهاب.. نرجو وندعو الله أن يأتى العام الجديد وقد عادت لسوريا وحدتها واستقرارها وأن تخلو وجهها لأهلها وأن تلفظ كل دخيل وغاصب ومعتد.. وأن تعود السودان لسابق عهدها شعبا واحدا ينعم بالاستقرار والازدهار.. وليس ذلك على الله بعزيز.
نتمنى مع العام الجديد وقفة مع النفس لمراجعة ما مضى نستخلص منه الدروس والعبر هكذا تفعل الأمم الحية التى لا تلدغ من جحر مرتين، وكفانا ما عانيناه ولا نزال بعد أحداث يناير.
نتمنى أن ينتبه كل من يكتب ولو كلمة واحدة على وسائل التواصل الاجتماعي، فلا يقع فى غواية الشائعات ولا يردد قولا ولا معلومة دون التحقق والتثبت من صحتها، فما أخطر ما تفعله الشائعات بالدول، وما أعظم خطرها وما تجلبه من مفاسد.. وإلا ما نبهنا الله تعالى إليها فى قوله تعالي: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين).. هكذا علمنا الله التثبت من كل خبر والتحقق من كل ما يصلنا إلينا فلا نردده دون وعى ودون تثبت، ولا ننتهج سبيل القطيع الذى يحسن إن أحسن الناس ويسيء إذا ما أساءوا!!
ينتظرنا عام جديد ندعو الله أن يجعله عام خير ورشد وبركة.. وأن تزداد الحكومة قربا من المواطنين، وتتواصل معهم عن كثب وأن تجيب عن تساؤلاتهم حتى ولو لم يسألوها، وأن تبادر بوأد الشائعات فى مهدها بطرح الحقائق والمعلومات الصحيحة فى وقتها فلا تتأخر دقيقة حتى تقطع الطريق على المزايدين ومن يبتغون الصيد فى الماء العكر.. وأن تحكم قبضتها على الأسواق لمنع انفلات الأسعار حتى لا يكتوى بنارها بسطاء الناس الذين لا يملكون إلا تأشيرة البقاء فى هذا البلد الآمن ..!!
ومع بداية عام جديد ندعو الله أن يزداد إنتاجنا وتتعاظم صادراتنا وأن تبحث الحكومة عن حلول اقتصادية من خارج الصندوق مستلهمة تجارب فى دول كانت فى مثل ظروفنا وربما أقل ثم ها هى قد صارت نمرا بازغا فى التصنيع والاقتصاد..فماذا ينقصنا حتى نصبح نمرا اقتصاديا بازغا.!!