تستعد الكنيسة الكاثوليكية ومجمع الكرادلة للاجتماع فى الفاتيكان فى لقاء سيرسم معالم مستقبل الكنيسة، إذ لن يقتصر اختيارهم على تسمية البابا الجديد فحسب، بل سيحدد أيضاً مسار الكنيسة وتواصلها مع رعيتها.. يتبع فى انتخاب البابا تقاليد الفاتيكان العريقة، حيث يُصوّت مجمع الكرادلة، الذى يتألف من أشخاص تقل أعمارهم عن 80 عاماًً، فى اقتراع سرى داخل كنيسة سيستين. فيما يتطلب انتخاب بابا جديد أغلبية الثلثين. وفى حال عدم التوصل إلى توافق، تستمر جولات تصويت إضافية حتى يظهر مرشح يحظى بالدعم اللازم.. عندما لا تتوصل جولة تصويت إلى توافق، فتُحرق بطاقات الاقتراع، ويتصاعد الدخان الأسود من مدخنة كنيسة سيستين، مُشيرا إلى استمرار اجتماع الكرادلة. لكن عندما يظهر الدخان الأبيض، يُعلن عن اختيار بابا جديد.
يبدأ المجمع البابوى عادةً بعد 15 إلى 20 يوماً من وفاة البابا. ويسمح هذا الوقت بمراسم الجنازة، وفترة حداد لمدة تسعة أيام تُعرف باسم «نوفيمديال»، ويتيح للكرادلة من جميع أنحاء العالم السفر إلى مدينة الفاتيكان.
فى حين ستبقى النتيجة غير مؤكدة حتى يتم اختيار البابا خلف أبواب كنيسة سيستين المغلقة، حيث ستُقيّم الفصائل الأيديولوجية داخل الكنيسة خياراتها بين الاستمرارية والتحول الأكثر تحفظًا.
مع تزايد التكهنات، برز عدد من الكرادلة رفيعى المستوى كأبرز المرشحين.
< الفلبينى لويس أنطونيو تاجلى
يُعتبر الكاردينال لويس أنطونيو تاجلي، البالغ من العمر 67 عاماً، المرشح الأوفر حظاً حالياً، وهو مرشح قوى لمواصلة أجندة البابا فرنسيس التقدمية. ويتمتع تاجلى وهو من الفلبين، بخبرة واسعة فى قيادة مجمع تبشير الشعوب، وكان شخصية موثوقة فى الدائرة المقربة للبابا فرنسيس.
< الإيطالى بييترو بارولين
يُعدّ الكاردينال بييترو بارولين، البالغ من العمر 70 عاماً، أحد أكثر مسئولى الفاتيكان خبرة. فقد لعب، بصفته وزير خارجية الفاتيكان منذ عام 2013، دوراً محورياً فى الشئون الدبلوماسية، بما فى ذلك مفاوضات حساسة مع الصين وحكومات الشرق الأوسط. كما يُنظر إليه على أنه مرشح لاهوتى معتدل، قادر على توفير الاستقرار مع الحفاظ على بعض إصلاحات البابا فرنسيس. كذلك يتمتع بعلاقات وثيقة مع بيروقراطية الفاتيكان تجعله منافساًً قويا لمن يفضلون الاستمرارية.
الغانى بيتر توركسون
فى موازاة ذلك يُعدّ الكاردينال بيتر توركسون، البالغ من العمر 76 عاماً، والذى تبلغ احتمالات نسبه مرتفعة، شخصيةً بارزةً فى دوائر العدالة الاجتماعية بالكنيسة. وبصفته الرئيس السابق لدائرة تعزيز التنمية البشرية المتكاملة، كان توركسون صريحا فى قضايا مثل تغير المناخ والفقر والعدالة الاقتصادية. فى حين سيُمثّل انتخابه لحظةً تاريخيةً كأول بابا أفريقى منذ قرون حيث كان آخر بابا أفريقى هو البابا جيلاسيوس، الذى خدم من عام 492 إلى عام 496 ميلادية. ووُلد جيلاسيوس فى روما لأبوين افريقيين، واشتهر بكتاباته اللاهوتية الواسعة ودفاعه القوى عن الأعمال الخيرية والعدالة للفقراء.
< المجرى بيتر إردو
يبلغ الكاردينال بيتر إردو من العمر 72 عامًا، ويعد مرشحاً محافظا بارزاً، وهو باحث مرموق فى القانون الكنسي، وكان من أشد المدافعين عن التعاليم والعقائد الكاثوليكية التقليدية. وشغل سابقاً منصب رئيس مجلس مؤتمرات الأساقفة الأوروبيين، وشدد على الأرثوذكسية اللاهوتية. بالنسبة للساعين إلى العودة إلى النهج المحافظ الذى انتهجه البابا يوحنا بولس الثانى والبابا بنديكت السادس عشر، سيمثل إردو تحولاً جذرياً عن نهج البابا فرنسيس.
< الإيطالى أنجيلو سكولا
أما الكاردينال أنجيلو سكولا، البالغ من العمر 82 عاماً، فهو مرشحاً بابوياً بارزاً أيضاً، كما كان من بين المرشحين الأوفر حظا فى اجتماع عام 2013 الذى انتخب البابا فرنسيس. يتمتع سكولا، رئيس أساقفة ميلانو السابق، بجذور لاهوتية عميقة، ويحظى بقبول واسع من أنصار كنيسة أكثر مركزية وتسلسلاً هرمياً.
من أقواله
السلام.. مسئولية الجميع
فى عالم مزقته الصراعات، وقف البابا فرنسيس كصوتٍ للسلام والحوار، حيث لعب دورًا بارزًا فى التعاطى مع العديد من الأزمات الدولية خلال فترة حبريته. من الشرق الأوسط إلى أوكرانيا، ومن إفريقيا إلى أمريكا اللاتينية، لم يتوقف البابا عن الدعوة إلى نزع السلاح واحترام كرامة الإنسان.
منذ بداية حبريته، كان البابا فرنسيس مدافعًا قويًا عن السلام، حيث دعا إلى إنهاء النزاعات المسلحة فى مناطق مختلفة من العالم. فى خطابه السنوى أمام السلك الدبلوماسى المعتمد لدى الفاتيكان، شدد على أن السلام ليس مجرد هبة إلهية، بل هو مسؤولية تقع على عاتق الجميع، مشيرًا إلى أن العالم يعيش حالة «حرب عالمية ثالثة مجزأة» بسبب النزاعات المتعددة.
فيما يتعلق بالصراع فى أوكرانيا، فقد اتخذ البابا موقفًا متوازنًا، رافضًا إلقاء اللوم على طرف واحد، مشيرًا إلى أن «مصالح الإمبراطوريات المتعددة» هى التى تغذى الحرب. دعا إلى يوم عالمى للصلاة من أجل السلام قبل اندلاع الحرب، وعرض التوسط شخصيًا بين الرئيسين الروسى والأوكراني، واقترح توقيع أى اتفاق سلام فى الفاتيكان لضمان مصداقيته. كما دعا أوكرانيا إلى «شجاعة رفع الراية البيضاء» للتفاوض، مما أثار جدلًا كبيرًا.
فى أفريقيا، دعا البابا مرارًا إلى وقف العنف فى السودان ومنطقة الساحل الأفريقي، محذرًا من تداعيات الأزمات الإنسانية هناك. كما طالب باستئناف تصدير الحبوب الأوكرانية والروسية لمواجهة المجاعة فى القارة، منتقدًا تقاعس الغرب عن تنفيذ الاتفاقيات.
وفيما يتعلق بالأزمة السورية واليمنية، أدان البابا التدخلات الخارجية، ودعا إلى حلول سياسية تحترم سيادة الدول.