نقول فى أمثالنا الشعبية «الكذب ملوش رجلين» والمؤمن قد يفعل كل الموبقات لكنه لا يكذب أبدا، لذلك ومن أجل ذلك يجب أن يكون الصدق وقول الحق والشفافية والوضوح هو سبيلنا نحو التقدم الحقيقي، وهو أداتنا الناجعة نحو مواجهة التحديات، لا استسيغ فكرة تجميل الصور لتبدو على غير حقيقتها، ولا أحب المكياج بشكل عام فهو يصرف النظر عن مواضع الخلل، لذلك يأتى عظم دور الصحافة والإعلام فى تسليط الضوء الحقيقة مهما كانت مزعجة، سألنى أحد أصدقائى السياسيين عن سبب إصرارى على استخدام مفردات وعبارات تبدو قاسية فى مواجهة القضايا الثقافية والفكرية، استطرد فى حديثه عن ضرورة التحلى بقدر من الحكمة والسياسة فى مجابهة الثوابت الثقافية والأعراف الاجتماعية، واستكمل حديثه عن تغيير المجتمعات والخروج من حالة الجمود يتطلب وقتا طويلا والصبر هو الأداة الرئيسية فى هذا الجهد، كنت استمع بتركيز وصمت وأومأت بموافقتى الباهتة والتى يغلب عليها طابع المجاملة التى تنبع من معين الصبر الذى نصحنى به محدثى منذ لحظات، لكنه أصر على استكمال الحوار وقال لى ما رأيك؟ قلت له أوافقك ولكن، المجتمع يحتاج صدمة إفاقة ويجب أن يكون هناك نوبة صحيان، وفكرة النفس الطويل غير مضمونة، أمامنا فرصة الإدارة بالصدمات، فالمجتمع فى أمس الحاجة إلى إحداث تغيير جذرى فى الكثير من ثقافاته، فنحن حيال معارك ثقافية مؤجلة، وهذا التأجيل كلفنا الكثير والكثير وعلى جميع المستويات، تأجيل كل ما يرتبط بقضايا تمس ما جعلناه ثوابت وهو ليس من الثوابت على الإطلاق، صنعنا لأنفسنا تابوهات وعكفنا لها عابدين، ورددنا جميعا «أنا وجدنا آباءنا»، لا سبيل إلا المواجهة وبشجاعة وجراءة مهما كانت التحديات، لماذا يخشى البعض من قول الحقيقة كاملة مجردة فى مواجهة الرأى العام؟ لماذا نميل إلى إرضاء أو استرضاء العامة بعبارات وكلمات ومفاهيم تتوافق مع هواهم وثوابتهم المريحة؟ لماذا نستملح فكرة الأكاذيب المريحة ونفضلها على الحقائق المزعجة؟ لماذا انسحب المثقفون طواعية من ميدان الاشتباكات مع القضايا الجماهيرية الملحة؟ لماذا غابت الأفكار الخلاقة التى تنقل المجتمع من حالة الكمون العشوائى إلى حالة الحراك الذى يقود إلى التطوير؟ ربما كانت هذه الأسئلة ضرورية قبل الدخول إلى بيت القصيد، لدينا فى مصر قضايا راسخة وثابتة ومستمرة منذ أزمان بعيدة، هذه القضايا معروفة للجميع ويتحدث عنها الجميع وحلولها تكاد تكون متفقا عليها بين الجميع، لكن لم تر هذه الحلول النور بعد، بحثت مليا فى أسباب فشلنا فى الوصول لحلول بعض المشاكل المزمنة فلم أجد إلا سبب واحد هو محاولة إرضاء الجميع أو ما يمكن أن نطلق عليه إمساك العصا من المنتصف وكما يقول جبران لعن الله انصاف الحلول وانصاف المواقف وانصاف القرارات، قضية الانفجار السكانى التى تمثل العقبة الأولى والأخطر فى مواجهة كل محاولات التقدم والنمو الاقتصادى وتحقيق الرفاهية الاجتماعية، دولة يزيد عدد سكانها سنويا 2.5 مليون نسمة! لن تقوم لها قائمة مهما كانت التحركات الإصلاحية، لذلك يجب التحرك نحو اتخاذ حزمة من الإجراءات الصارمة لوقف هذا البركان السكانى المدمر، لا بديل أمامنا عن إعلان حالة «الطوارئ السكانية» لا بديل عن اتخاذ قرارات مؤلمة، كضرورة ربط الإنجاب بالدعم والخدمات الصحية والتعليمية وغيرها، مع التوسع فى الامتيازات للملتزمين، فإذا انجب احدهم طفلا واحدًا يتمتع بكل المزايا المقررة سلفا فى هذا الشأن، وإذا انجب الطفل الثانى يتم خصم 50٪ من جملة المزايا، وإذا انجب الثالث تلغى جميع الامتيازات، ولابد هنا أن نتعلم من تجارب الدول التى نجحت فى السيطرة على الانفجار السكانى من خلال قرارات وإجراءات حاسمة تغطيها قوانين وتشريعات واضحة، هنا أشير إلى أن التوعية والإعلانات التوعوية والإرشادات الوعظية لا تجدى ولم تنجح خلال كل هذه السنوات، فكل مجتمع له ثقافاته ومرجعياته التى تختلف بدرجات متفاوتة، لقد بذلنا جهدا خارقا ولم ننجح فى كبح جماح الانفجار السكانى وها نحن ندفع الثمن على كل الأصعدة، قضية أخرى هى الأمية التى وصلت نسبتها إلى ما يزيد على 25٪ من المجتمع والتى تعاملنا معها منذ عشرات السنين وفى برامج ومؤسسات وخطط ولكن دون جدوي، الخلاصة أننا فشلنا فى مواجهة قضيتى السكان والأمية بامتياز وكى ننجح لابد من تغيير طريقة التعاطى والتعامل ونكف عن نظام «الطبطبة» ومحاولة إرضاء جميع الأطراف.