الأمريكيون يمتلكون نصف الأسلحة «المدنية» التى بحوزة سكان العالم
يشكل انتشار الأسلحة فى الولايات المتحدة ملفا مزعجا للأمريكيين على مدى سنوات، بين مؤيد ومعارض، فبينما كان المرشح الحالى والرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب من أكثر الداعمين لحق امتلاك الأسلحة، فرضت إدارة الرئيس الحالى جو بايدن قيودا حول امتلاكها وتسعى لحظرها.
ويبدو أن الجزاء من جنس العمل، فقد شرب ترامب من نفس الكأس الذى دافع عنه حيث تعرض لمحاولة اغتيال أدت لإصابته وكادت تودى بحياته.
الأمر لا يتعلق فقط بالتأييد أو الرفض، لكنه واقع تفرضه نصوص الدستور الأمريكى بشكل واضح حيث تؤكد أحد مواد الدستور على حق المواطنين فى امتلاك الأسلحة النارية، وجاء فى نص التعديل الثانى من الدستور الأمريكى والصادر فى 1971، «حيث ان وجود مليشيا حسنة التنظيم ضرورى لأمن أية ولاية حرة، لا يجوز التعرض لحق الناس فى اقتناء أسلحة وحملها».
وسبق وأن أصدر الكونجرس الأمريكى عام 1994 قانونا يحظر التصنيع والاستخدام المدنى للأسلحة النارية نصف الآلية والأسلحة الهجومية لمدة 10 سنوات، وانتهى هذا الحظر فى سبتمبر 2004، وجاءت محاولات عدة بعد ذلك لتجديد الحظر ولكنها فشلت، وفى 2013 رفض مجلس الشيوخ مشروع قانون يقيد السماح بحمل الأسلحة، وكان ينص على توسيع التحريات والحصول على السجل الجنائى لكل من يرغب فى شراء قطع سلاح.
وأعلن بايدن مسبقا دعمه لمشروع الحظر وطالب بتجديده، مؤكدا أن الحظر طوال 10 سنوات حفظ أرواحاً كثيرة.
وفى فبراير الماضى، قال ترامب، إنه يحمى حقوق حيازة الأسلحة بقوة أثناء وجوده فى البيت الأبيض، وتعهد إذا أعيد انتخابه بالتراجع عن جميع القيود التى فرضها بايدن. وفى حديثه أمام آلاف المؤيدين فى حدث نظمته الرابطة الوطنية للبنادق (NRA)، وعد ترامب بإلغاء قاعدة تقيد مبيعات ملحقات الأسلحة المعروفة باسم.
الغريب أن السلاح المستخدم فى محاولة اغتيال ترامب ليس صغيرا لكنها بندقية نصف آلية من طراز AR-15، وهى واحدة من أشهر الأسلحة النارية التى لها شعبية كبيرة فى الولايات المتحدة الأمريكية، ولعبت دورًا كبيرًا فى العديد من جرائم القتل والاغتيال والجرائم الجماعية على مدار السنوات الماضية، وبسببها تأسست حركات تطالب بمنعها من يد المدنيين.
أدت الرصاصات التى أطلقت من أسلحة من طراز AR-15 إلى وجود عشرات القتلى والمصابين، فى حوادث إطلاق نار جماعية فى عدة ولايات، ففى عام 2018 وقع أشهر حادث داخل الولايات المتحدة الأمريكية، وبالتحديد فى مدرسة مارجورى ستونمان دوجلاس الثانوية فى باركلاند بولاية فلوريدا، حيث قتل مسلــح يبلــغ من العمــر 19 عامًا، 17 شخصًا وأصاب 17 آخرين فى حوالى أربع دقائق بسلاح نارى من طراز AR-15، ومنذ ذلك الوقت تأسست حركة «مسيرة من أجل حياتنا» على يد الناجين من حادث إطلاق النار، والذين يطالبون حتى الآن بمنع تداول البندقية.
تاريخيا، اقترن إرث حرب الاستقلال بحسب الخبراء بقناعة متزايدة لدى الأمريكيين، بأن عليهم امتلاك أسلحة للحفاظ على سلامتهم.
كانت الأسلحة النارية ضرورة لا غنى عنها فى سبعينات وثمانينات القرن الثامن عشر فى البلد الناشئ، وامتلاك سلاح نارى كان يعنى الوقوف بوجه الأنظمة الملكية المستعمرة، وخصوصا الجيش البريطانى.
خلال القرنين التاليين، تحوّلت الأسلحة النارية إلى عنصر أساسيّ فى أسطورة الولايات المتحدة وتاريخها بصفحاته المجيدة. وبحلول بداية القرن العشرين، ومع توسّع المدن وانتشارها المتزايد، وجدت الولايات المتحدة نفسها أمام مستويات عنف بسبب الأسلحة النارية لا تقارن بالدول الأخرى. وأحصى المؤرخ ريتشارد هوفشتادتر أكثر من 265 ألف جريمة قتل بالأسلحة النارية بين 1900 و1964. واتخذت السلطات الفيدرالية إجراءات، منها حظر البنادق الرشاشة عام 1934، وإلزام مالكى الأسلحة بالتصريح عنها.
بموازاة ذلك، فرضت الولايات نفسها قيودا، فمنعت على سبيل المثال حمل السلاح فى العلن.
وكان الرأى العام مؤيدا لضبط الأسلحة، إذ أعرب 60 ٪ من الأمريكيين عام 1959 عن تأييدهم لحظر الأسلحة النارية كليا للأفراد، بحسب استطلاع للرأى أجراه معهد «جالوب» غير أن أى مساع بهذا الصدد اصطدمت بالحملات الشديدة التى شنتها دفاعا عن حق حمل السلاح شركات الأسلحة و»الجمعية الوطنية للبنادق»، لوبى الأسلحة الذى بات ذائع الصيت. ونجحت هذه الحملات حتى فى منع فرض قيود تحد من استخدام السلاح ولو بدون حظره. ولم يبق سوى حظر على بيع الأسلحة النارية بالمراسلة، وحتى هذا الحظر يمكن بسهولة الالتفاف عليه.
بعد ذلك، وقفت الجمعية الوطنية للبنادق صفا واحدا مع الحزب الجمهورى للدفاع عن التعديل الثانى للدستور، باعتباره كرّس «الحق الجوهرى» فى امتلاك أسلحة نارية وفق تفسيرها له.
وبحثا عن وسيلة تسويق جديدة، ركزت الجمعية الوطنية للبنادق والشركات المصنعة على استخدام آخر للأسلحة النارية، وهو الدفاع عن النفس. عندها بدأ بث إعلانات تصوّر أعمال شغب وعمليات سرقة، وتعرض ترسانة حقيقية من المعدّات «التكتيكية» بدءا بالسترات الواقية من الرصاص وصولا إلى الأسلحة الثقيلة، وذلك فى وقت كانت الولايات المتحدة تشهد صعود الحركات المروجة لنظرية تفوّق البيض مع انتخاب باراك أوباما، أول رئيس أسود للولايات المتحدة.
وواجهت بعض الولايات تفاقم العنف بقوانين تجيز حمل السلاح بدون ترخيص، ما شكل منعطفا وأدى إلى تزايد المبيعات لدى مختلف فئات السكان.
واعتبارا من العام 2009، سجلت المبيعات زيادة كبيرة وصولا إلى أكثر من عشرة ملايين قطعة سلاح فى السنة منذ 2013، مع تسجيل طلب هائل على الأسلحة شبه الأوتوماتيكية.