عندما تتصارع التماسيح وتعم الفوضى من حولها، يهرب من مكان الصراع الكثير من الكائنات البحرية خوفا من وقوعها بين انياب احد هذه التماسيح، لكن هناك قليل من تلك الكائنات تراقب هذا الصراع جيدا وتقف على مسافة محسوبة بدقة متناهية انتظارا لانتهاء المعركة ثم تبدأ فى التحرك إلى الوجهة المطلوبة، لكن هناك طائراً واحداً ينتظر انتهاء التمساح من التهام فريسته ثم يتسلل إلى داخل فمه ليأكل البقايا العالقة بين أسنان التمساح، هذا الطائر اسمه «الزقزاق» الذى يطلق عليه طبيب أسنان التمساح.
>>>
فالعلاقة بين التمساح وطائر الزقزاق لا يجب ان تمر من بين أيادينا دون نظر، فعالمنا الذى نعيش فيه الان يشهد كل هذه العلاقات، صراع التماسيح مع بعضها البعض والتهام التماسيح فريستها وترقب وانتظار وتدخل باقى الكائنات، كلٌ حسب رؤيته وقدرته، اليوم نرى الدول الكبرى فى حالة صراع وهناك ضحايا مؤكدون وآخرون محتملون، وهناك كذلك دول مترقبة ومنتظرة تصفية تلك الصراعات، لكن هناك أيضا دولا كما طائر الزقزاق تستفيد من كل ما يجرى بمنتهى السهولة لكنها تتحمل مخاطر النفاذ بين انياب التماسيح.
>>>
وهنا ادخل فى موضوع المقال بعد هذه التشبيهات، فقيام أمريكا بفرض التعريفات الجمركية على 180 دولة فى العالم يمثل حالة صراع وفوضى وترقب وانتظار، لكن يمكن ان تتحول بعض الدول إلى طائر الزقزاق، ومصر احدى هذه الدول، ففرض رسوماً جمركية على العديد من الدول التى تسمى مصنع العالم او مصنع أمريكا مثل فيتنام والصين والهند، سيفرض على منتجاتها رسوم جمركية ترفع من اسعارها فى السوق الأمريكى ومن ثم سيتوقف إنتاجها.
>>>
وهنا يمكن لمنظومة التجارة الخارجية القيام فورا باتفاقات لتتحول إلى مخازن لوجستية تستقبل منتجات الدول المتضررة وتعيد توزيعها على أسواق جديدة تماما، فى نفس الوقت يمكن للسلع المصرية التى نتمتع فيها بمزايا نسبية كالمنسوجات والملابس الجاهزة ان نضاعف من إنتاجنا من اجل التصدير للسوق الأمريكى لتعويض وقف الاستيراد من الدول المحملة بضرائب جمركية مرتفعة، إذن نحن لدينا فرصة كبيرة تجاريا وصناعيا ولوجستيا، بالإضافة إلى الصناعات العسكرية التى يمكن ان تكون بابا جديدا للتعاون مع الدول الاوروبية التى تبحث عن عكاز ثان مع تركيا.
>>>
العالم يتغير بسرعات مذهلة والمصالح والفرص تتحرك صوب من يبحث عنها، ومصر بذلت جهدا غير مسبوق على المستوى العالمى فى مجال البنية التحتية والمعلوماتية التى تنتظر فقط من يشغلها ويستفيد منها، الدولة وضعت الصناعة على جدول أولوياتها وانطلقت مع الفريق كامل الوزير إلى آفاق جديدة بعد إطفاء الحرائق وتشغيل ما هو معطل وترتيب البنية التشريعية وسرعة اتخاذ القرار حتى نجحت الدولة من خلال تلك الحزمة من الإصلاحات الصناعية فى بناء الثقة مع القطاع الخاص المحلى والعربى والأجنبى، بيد أن حزمة التعريفات الأمريكية وان كانت ستسبب اضرارا وخيمة على الاقتصاد العالمى فى الأجل القريب إلا ان مصر يمكنها اقتناص فرص من بين انياب التماسيح وهى قادرة على ذلك بإذن الله.