اتسمت المفاوضات السياسية بالعديد من الخصائص كالجدية والتشدد وذلك فى محاولة كل طرف الوصول إلى أقل قدر من التنازلات للطرف الآخر ولو أمكن العودة إلى «المربع صفر» وذلك هو المبدأ الذى يتبعه المفاوض الإسرائيلى ألا وهو الحصول على الكل أو لا شىء لا سيما جناح اليمين المتطرف.. يظهر ذلك بوضوح فى مشروع القانون الذى تقدم به «ايتمار بن غفير» للكنيست الإسرائيلى الذى يهدف إلى إلغاء اتفاقيات «أوسلو» و«بروتوكول الخليل» ومذكرة «وآى ريفر» سعياً لإعادة إسرائيل إلى وضع ما قبل الاتفاق.. وقد أوضح «بن غفير» فى تغريدة له على تويتر قائلاً: نحن نصحح ظلماً طويل الأمد من خلال ذلك المشروع الذى تقدمت به أنا وزملائى من حزب «عتسما يهوديت»، «القوة اليهودية» واستعادة الأراضى التى تم التنازل عنها بموجب هذه الاتفاقيات.. من بين البنود الرئيسية لاتفاقيات «أوسلو» الاعتراف المتبادل بين الطرفين والانسحاب الإسرائيلى التدريجى من الضفة الغربية وغزة وتشكيل السلطة الفلسطينية المنتخبة التى بموجبها انسحبت إسرائيل من «غزة» و«أريحا «وتم تأسيس السلطة الفلسطينية.. يعد «بن غفير» وزير الأمن القومى الإسرائيلى أحد أتباع الحاخام المتطرف الراحل «مائير كاهانا» الذى دائماً ما يكون فى قلب العاصفة والذى يعد صعوده أحد مظاهر التحول الأيدلوجى الأعمق فى إسرائيل والذى يهدد الاستقرار الداخلى واتساع نطاق العنف فى المنطقة.. فى الواقع أن ما صرح به «بن غفير» لا يعبر فقط عن اليمين المتطرف الذى يعد الوجه المتطرف للهوية الصهيونية بل هو الوجه الصريح لحلم كل يهودى يرى أن ذلك الصراع لابد وأن ينتهى باختفاء أحد الطرفين لصالح الطرف الآخر.. من الغريب أن ما يجرى ويحدث الآن قد تم طرحه من جانب «جيلبرت أشقر» أستاذ العلاقات الدولية فى مقالة بعنوان «سيناريوهان لغزة إسرائيل الكبرى فى مقابل أوسلو» عقب هجوم 7 أكتوبر 2023.. كتب «جيلبرت» قائلاً: فى نهاية المطاف فإن «السيناريوهين إسرائيل الكبرى وأوسلو» يعتمدان على مدى قدرة إسرائيل على تدمير «حماس» إلى الحد الذى يكفى لمنعها من السيطرة على «غزة» وهو ما يستلزم غزو معظم القطاع ان لم يكن كله من قبل القوات الإسرائيلية وهو ما لا يمكن تحقيقه الا بتدمير معظم غزة وتكلفة بشرية هائلة.. وقد استشهد «جيلبرت» بمقالة «بروس هوفمان»الخبير فى مكافحة الإرهاب بجامعة «جورج تاون»الذى يؤكد أن القضاء على «نمور التاميل» فى عام 2009 من جانب القوات المسلحة السريلانكية كان بعد شن هجوم عسكرى أسفر عن مقتل مايزيد على 40 ألف مدنى وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة.. وقد استطاع «جيلبرت» أن يستشرف ما سيحدث من خلال التأكيد على ضراوة الهجوم الإسرائيلى الذى سيكون الأشد فتكاً وتدميراً فى تاريخ الصراع «الفلسطينى الإسرائيلى» وما قد يترتب عليه من زعزعة الاستقرار فى تلك المنطقة الأكثر اضطراباً فى العالم ..ناهيك عن قصر النظر وتلك المعايير المزدوجة التى تتبناها الولايات المتحدة وحلفاؤها والتى سوف تنفجر فى وجوههم إذ أن» غزة» كانت تتبع الفلسطينيين قبل ظهور تلك الروايات»التوراتية» التى تزعم أن «غزة «كانت تحت حكم بنى إسرائيل أثناء حقبة الملك «داود»..