هناك مبادئ خمسة تستند عليها الرؤية الرشيدة لبناء الإنسان وتطوير العقل المصرى وهذه المباديء مستمدة من تعاليم ربنا ومن سنة نبينا– صلى الله عليه وسلم.
المبدأ الأول : أن الإنسان هو محور الرسالات السماوية جمعاء، بناؤه، تطوره، تنميته، رفاهته.. ولذلك فإن الإسلام جعل الاستثمار الحقيقى فى بناء الأوطان يبدأ من العناية بالإنسان عقيدة وثقافة وفكراً وأخلاقاً واقتصاداً؛ فهو أول ركن فى تلك الخطة التى تستهدف بناء الوطن، لأنه أساس التقدّم، العمود الذى يقوم عليه الرقى ولذلك أعلن القرآن أنه مكرم، وأن تكريمه جزء من بنائه الحقيقي: يقول تعالي: «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً».
المبدأ الثاني: أن البناء هو عنوان الإسلام الأول، وأن الإسلام ما عادى شيئا قدر معاداته للهدم، وبالتالى لابد من التركيز على كل ما يعزز تلك الرؤية. قال– صلى الله عليه وسلم– (الانسان بنيان الله ملعون من هدم بنيانه) حديث نبوى عظيم.
المبدأ الثالث: بناء هذا النموذج المثالى من الإنسان الفاعل المنتج المؤثر فى حركة الكون والحياة لابد أن يصطحب فى أدوات بنائه وتكوينه تلك المقاصد الإنسانية العليا التى راعتها ودعت إليها جميع الاديان وهو ما اصطلح عليه بمقاصد الشريعة العليا حفظ الدين والنفس والعقل والمال والأسرة.
ولابد أن بتكامل فى بناء العقل البشرى تفعيل المنهج العقلى النظرى والمنهج العقلى التجريبى لكى ننتج فلسفة راقية تحترم العقل وتقدر التجربة وتسعى للاستفادة منهما كل فى مجاله.
إن التجربة الفلسفية الإسلامية التى شيد معالمها الكندى والفارابى وابن سينا وابن رشد والبيرونى وأبو حيان التوحيدى وفخر الذين الرازى وغيرهم من فلاسفة الإسلام العظام هى التى أنتجت حضارة علمية متطورة فى مجالات متعددة كالطب والهندسة والفلك والكيمياء وإنتاج فلاسفة وعلماء المسلمين فى هذه المجالات مشهور معروف…
لم يجد علماء المسلمين وفلاسفتهم أدنى تعارض بين العقل وبين الوحى بل على العكس من ذلك تماما كان العقل والوحى نورين يملآن حياة البشر بالخير والنماء
من أجل تحقيق هذه المعانى لابد من إشاعة ثقافة التعايش والتلاقح الفكرى فالعقل والحكمة أداة تواصل مشترك بين جميع البشر والحكمة ضالة المؤمن حيثما وجدها التقطها.
وقد تميز المصريون عبر تاريخهم الطويل بإنتاج عقلى وحضارى مميز جدا لفت أنظار العالم كله وأقام أعظم حضارة فى تاريخ البشرية وتميز الإنسان المصرى عبر التاريخ بأنه صانع سلام وصانع حضارة َومحب للتعايش والسلم والامن والأمان.
المبدأ الرابع: جماعات الإسلام السياسى وجماعات المد السلفى المتشدد اوجدت حالة من الخصام النكد بين العقل وبين الشرع فتعاملت مع النصوص بشكل ظاهرى جامد ليس للعقل فيه نصيب فاصطدمت بالمجتمع والحياة وتوهمت عندئذ أن الإسلام يعادى الحضارة والحياة ركن ركين من عوامل نهضتنا المعاصرة لبناء مصر الحديثة أن ننقى العقل المصرى من أدران هذه الأفكار التى بثتها جماعات الإسلام السياسى عبر العقود الماضية مما تسبب فى أكبر خسارة للمسيرة الحضارية المصرية فلابد من محابهة هذه الأفكار الظلامية حتى نتقدم إلى الأمام.
المبدأ الخامس : ضرورة استعادة منظومة القيم الرشيدة داخل المجتمع المصرى هو جزء أصيل من خطة بناء الإنسان المصري، ومحاولة تطويره إلى الأفضل.
وهنا وفى محاولة التأصيل لتلك الفكرة ربما نجد أنفسنا بحاجة إلى استرجاع سيرة نبينا العظيم محمد– صلى الله عليه وآله وسلم– والذى كان أول ما فعله هو بناء تلك المنظومة داخل دار الأرقم بن أبى الأرقم، فبنى فى الصحابة الأجلاء قيما أخلاقية رفيعة جعلتهم جيلا استثنائيا فى التاريخ البشري، بنى فيهم قيم الشجاعة، والهمّة العالية، بنى فيهم قيم الحب والرحمة، بنى فيهم قيم احترام الكبير والعطف على الصغير، بنى فيهم قيم المروءة والإيثار، بنى فيهم كل قيم الجمال، شكلا ومضمونا.
ولعل من أهم ما بناه صلوات ربى وسلامه عليه فى منظومة القيم، هو التدين الحقيقي، لا المغشوش، من حيث إن التدين المغشوش، يسبب أزمة لا لصاحبه فقط، وإنما للمجتمع كله، بحسبانه كذب وتدليس وعدم فهم لحقيقة هذا الدين، فهو إما دروشة فارغة لا تحمل معني، أو تشدد وتطرف يودى بصاحبه والمجتمع كله إلى واد سحيق.
كذلك فإن بناء الإنسان المصرى يستلزم دوما بناء وحْدة صفّ مجتمعية، ليس فيه اختلاف أو تشرزم، لأن المجتمع متقطع الأواصر يتعرض لهزات عنيفة لا يمكن معها أن يكون هناك تقدم ولا رقى ولا تطوير وللحديث بقية.