سعدنا وسررنا للإهتمام المتزايد بالتنمية البشرية من قبل الحكومة.. ومنها إستحداث منصب نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية البشرية يشغله أستاذ جامعى فاضل وقدير.. ويعاونه الكثير من الوزارات والمجالس والهيئات المحلية.. نعم.. فالإنسان فى أى مكان هو العنصر الأساسى فى تقدم ورقى الأمم.. إن صلح خلقه وعلمه وقيمه وصحته.. صلح الوطن بأكمله.. والتاريخ شاهد على شعوب تميزت وأخلصت.. فكانت الدرع الواقية لبلدهم فى أحلك الأزمات ..
مفهوم التنمية البشرية متشعب ومتعدد.. خاصة اذا حاولنا التعرف علية بلغة غير عربية.. كلمة تنمية ممكن أن تعنى الإكثار وممكن أن تعنى التقدم أو التطوير.. لذا فإن مجال التنمية البشرية بالمنطوق الإنجليزى يندرج تحت علم النفس.. أو علم الاجتماع أو الأنثربولوجى وهو علم دراسة الأجناس.. الأمم المتحدة وضعت مؤشرا للتنمية البشرية لكل دول العالم.. يعتمد على مستوى التعليم والحالة الصحية ومستوى المعيشة وجاء مؤشر مصر فى حدود المتوسط.. أى أن التنمية فى مفهومهم تتعلق بهذه العناصر الثلاثة.لابد أن نحدد نحن ماذا نعنيه بالتنمية البشرية.. ماذا يندرج تحتها.. وماذا نريد أن نحققه منها ؟ ويكون هذا الأمر متعارفاً عليه بين كل من له علاقة بهذا الأمر.. حتى لا تختلط علينا المفاهيم والتوجهات ونجد أنفسنا ونحن نحيد عن الطريق أو نضيع الجهد والوقت فيما لا نهدف اليه … ولعل الكلمة الأكثر تعبيرا عن مفهوم التنمية البشرية هى «بناء الإنسان».
أعتقد أننا بالفعل فى أمس الحاجة حاليا الى الارتقاء بالخصائص الإنسانية الحضارية للإنسان المصري.. والتى قد تكون فى حاجة ماسة الى تعزيز القيم الاجتماعية وتطوير المهارات الحياتية بما فيها المقدرة على التواصل وتعزيز التوجهات والممارسات السليمة والمتحضرة للفرد من أجل سلامته ومن أجل تعامل أفضل مع من حوله.. التنمية البشرية لا تتعلق بالمقدرة على إتقان عمل ما أو حرفة ما.. فهذا يندرج تحت التدريب.. ولا تتعلق بمعرفة حقائق او علوم.. فهذا تعليم.. التنمية البشرية تتعلق بالجوهر.. بالمشاعر.. بالرقي.. بالخلق والقيم.. والقدرات والمواهب ..
من زار اليابان وتعايش مع أهلها.. يفهم تماما ماهى التنمية البشرية.. سألت أحد الشباب أين محطة القطار.. حاول أن يشرح لي.. فلم أفهم.. مشى معى حتى أوصلنى للمحطة وحتى ركبت القطار.. الشوارع فل.. لا صوت ولا كلاكسات.. الكل يبتسم.. والحياة حلوة.. بهجة وصفاء وراحة بال ..
هذا ما نريد أن نراه الآن.. لأن هذا ما كنا عليه فى الماضى القريب.. اليابان أتت الى مصر منذ ثمانين عاماً.. ليتعرفوا منا على الحضارة والإبداع والكمال.. واستطاعوا فى زمن قصير أن يصبحوا عاصمة التحضر والرقي.. وسبقونا.. بفضل شعبهم الأصيل والذى استطاع أن يساهم إيجابيا فى نهضة بلده وتقدمه ورقيه.
ماذا نحن فاعلون من أجل تطوير البشر فى مصر.. السلبيات كثيرة.. وحال الشارع أصبح غير مرض.. والعلاقات بين البعض تعثرت.. التكاتف الأسرى الذى كان الغرب يحسدنا عليه أصابته العلل.. أنهكتنا الحروب.. وتزايدنا بدرجة عشوائية.. وفرضت علينا مشاكل الجيران كلها.. فإختلت المنظومة الاجتماعية.. عفارم يا حكومة.. نحن بالفعل فى احتياج شديد لإعادة بناء الإنسان ..
لو كان الأمر بيدى لبدأت بسن المراهقة.. فى المرحلة العمرية 10 الى 19 عاما.. وهى الفترة الأكثر تأثيرا فى بناء قدرات الإنسان واكتسابه للقيم والمفاهيم الحضارية والمهارات الحياتية.. بل هو فى أكثر ما يكون للحاجة الى كل ذلك.. المراهقون هم الحاضر وهم المستقبل.. مرحلة المراهقة هى الأجدى والأسرع والأكثر احتياجا وتفاعلا للتنمية البشرية.. أنا أشبه الأمر بمحاربة التدخين.. لا ترهقوا أنفسكم لمنع من يدخن من التدخين.. النجاح فى ذلك قليل.. الأجدى والأسرع والأسهل هو منع صغار السن من بداية التدخين ..
إن اردنا النجاح السريع والأسهل والأجدى لبناء المواطن المصري.. فلنبدأ بالمراهق.. فى منزله وفى مدرسته .