ما بين تصريحات وزير الأمن الإسرائيلى ايتمار بن غفير وبين الزيارة الحادية عشرة لأنتونى بلينكن إلى المنطقة بحثا كما تزعم الولايات المتحدة عن فرصة لإحلال السلام ووقف العدوان على قطاع غزة وإبرام صفقة أو اتفاق لتبادل الأسرى والمحتجزين لدى المقاومة الفلسطينية.. تناقض كبير يعكس حالة التطرف لدى حكومة نتنياهو ورعونة الإدارة الأمريكية فى التعامل مع تل أبيب على مدار عام لم تنجح فى وقف حرب الإبادة الصهيونية ضد الشعب الفلسطينى فى قطاع غزة ولم تمنع التصعيد فى المنطقة.. وبات الجميع لا يعول على الإدارة الأمريكية فى تحقيق أى نجاح أو جدية فى الضغط على دولة الاحتلال الإسرائيلى بل اعتبر الكثيرون الإدارة الأمريكية شريكاً أساسياً لإسرائيل فى ارتكاب المجازر والمذابح وحرب الإبادة التى تستهدف اجبار الفلسطينيين على النزوح والهجرة خارج قطاع غزة وتصفية القضية الفلسطينية ومحاولات تحقيق أوهام وخزعبلات المتطرفين الصهاينة.
بن غفير يكشف باستمرار نوايا دولة الاحتلال من عدوانها المستمر على مدار أكثر من عام.. قال فى تصريحات أخيرة مخاطباً المتطرفين الإسرائيليين: نستطيع ان نعود لوطننا.. يقصد قطاع غزة والمستوطنين فى القطاع.. بل ويضم مستوطنات جديدة ويمكننا أن نسمح للفلسطينيين فى غزة بالهجرة وهو على حد زعمه هو الأمر الأكثر أخلاقية مدعيا ان أرض إسرائيل لنا.. وهو نفس المعنى الذى يقوله زميله المريض نفسيا فى حكومة المتطرفين يتسلئيل سيموتريتش وزير المالية الذى ذهب بعيداً متحدثاً عن أوهام إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات وهو حقيقة ما يدور على أرض الواقع.. لذلك لن يتوقف المتطرفون فى إسرائيل عن المضى فى اضغاث الأحلام وسيدفعون ثمناً باهظاً فى ظل يقظة الإقليم وإدراكه خطورة المغامرات الصهيونية على أمن واستقرار المنطقة وسلامة دولها فى ظل ما يتكشف يومياً حول أسرار المخطط الشيطانى الذى يكمن وراء العدوان وحرب الإبادة والتصعيد الصهيونى فى المنطقة وما يدور فى غزة ولبنان والشروط التعجيزية التى تطلبها إسرائيل لوقف العدوان على لبنان.. بعيدة تماماً عن القرار 1701 والجديد الإسرائيلى يتناقض بل ويقوض السيادة اللبنانية على أراضيها ناهيك عن الهجوم الإسرائيلى المرتقب على إيران والذى من شأنه تفجير المنطقة واشعالها واتساع نطاق الصراع.
لم تكف 10 مرات زار فيها وزير الخارجية المنطقة لايقاف آلة القتل والإبادة الإسرائيلية تحت سمع وبصر ودعم وتأييد واشنطن ضد الشعب الفلسطينى فى قطاع غزة والتى امتدت إلى لبنان والبعض يعتقد انه بمقتل يحيى السنوار رئيس حركة حماس فقد بات الطريق مفتوحاً لإبرام اتفاق لوقف العدوان وهو غير صحيح.. فإسرائيل فى حالة من إغراء وغطرسة القوة وتعتبرها فرصة ثمينة للتوسع والتمدد حتى وإن طالت الحرب الشيطانية التى تشنها إسرائيل وحتى وان بلغت الخسائر التى يتكبدها جيش الاحتلال على كافة الأصعدة وهذا جديد طبقاً لما طالب به المنظرون الإستراتيجيون فى إسرائيل بأن إطالة العدوان من شأنه ان يجهز ويقضى بالكامل على قدرات الخصوم وعلى البنية التحتية والبنية العسكرية ويغير من معادلة القوة ويسمح بنفاذ أهداف إسرائيل الخبيثة فى التوسع.. لذلك فإن هذا الحديث مطابق لما يجرى على أرض الواقع وما يرتكبه جيش الاحتلال من إسراف فى استخدام القوة وقتل المدنيين والأطفال والنساء والقضاء على الأخضر واليابس فى ظل صمت دولى مطبق لا يبارح مربع المؤامرة الأمريكية- الغربية- الصهيونية على المنطقة العربية وما يدور فى العقل الصهيونى المريض.
فى ظنى ان زيارة بلينكن للمنطقة لن تسمن ولن تغنى من جوع ولن تأتى بجديد فالزيارة جاءت قبل أيام من الاستجابات الرئاسية الأمريكية وفى ظل ما يتردد ان إبرام أى اتفاق فى الوقت الحالى سيصب فى مصلحة كامالا هاريس المرشح الديمقراطي.. فى حين ان حسابات نتنياهو تراهن على دونالد ترامب وبالتالى لن يقدم على خطوة تزيد فرص منافسته هاريس.. كما ان الإدارة الأمريكية الحالية متواطئة وشريكة لإسرائيل ولن تفلح فى تحقيق أى نجاح فى هذا الإطار.. والأمر أكبر من قدرتها لأنه مخطط مصدق عليه من الكونجرس منذ أكثر من أربعة عقود وهو حلقة جديدة فى مسلسل ومخطط الشرق الأوسط الجديد.. فى ظنى أيضاً ان بلينكن الذى قال بعظمة لسانه انه صهيونى جاء لمجرد أداء واجب فرضته ظروف مقتل السنوار.
نتنياهو يريد العدوان لا غيره وهو طوق النجاة بالنسبة له لكسب المزيد من الدعم والتأييد من المتطرفين وإذا فعل غير ذلك فإن حكومته مهددة بالسقوط إضافة إلى انه يريد تأمين وحماية مصيره الشخصى والسياسي.. لذلك ينصاع لأوهام المتطرفين واضغاث الأحلام وهذا لا يمنع انه يعتنق نفس الأوهام والأفكار الخبيثة.. لذلك ستكون الزيارة الحادية عشرة لأنتونى بلينكن للمنطقة مثل 10 زيارات سابقة بلا نتائج أو نجاح يذكر.. لا أدرى لماذا جاء بلينكن للمنطقة وهو يعلم انها زيارة فاشلة لن تأتى بجديد.. فلو افترضنا ان إسرائيل تبدى استعدادها للتفاوض حول غزة ولبنان فبأى شروط سوف تفرضها فى ظل غطرسة القوة المعلنة رغم الخسائر والضربات المؤلمة لإسرائيل ولكن لا تعلن عنها.. لذلك أرى ان شروط نتنياهو الجديدة فى ظل المعطيات الأخيرة ستكون أسباباً تعجيزية لن تقبلها المقاومة الفلسطينية ولن يقبلها لبنان.. فرئيس الوزراء الإسرائيلى لن يقبل بمغادرة غزة ولن يوافق على وضع القطاع قبل 7 أكتوبر من العام الماضى وفى لبنان يريد ان يعيث انتهاكاً لسيادة الدولة اللبنانية سواء مجالها الجوى أو حق التفتيش على القوات وتجريد حزب الله من أى سلاح ويفرض واقعاً جديداً بعيداً عن القرار 1701.. فالاختلاف حول حزب الله.. إلا انه بات جزءاً من المعادلة اللبنانية حتى وان تعرض لضربات مدمرة ومزلزلة.. لذلك أتوقع ان زيارة أنتونى بلينكن لن تحقق أى جديد.. وسوف تكون مثل زياراته العشر السابقة طحن بلا طحين وهى ربما لمجرد إلقاء النظرة الأخيرة على المنطقة.. قبل وداعه المنصب فى يناير القادم سواء نجحت هاريس أو نجح ترامب فالإدارة الأمريكية الحالية بلا صلاحيات مثل البطة العرجاء.. ويمكن ان تقول انه تواطؤ وليس عجزاً.
نتنياهو يحتاج لضربة قاصمة ترد إليه بعض عقله المريض فإسرائيل لا تتفاوض مع أحد إذا شعرت انها تكسب على الأرض.. أو تنتصر.. ولكنها تأتى صاغرة إذا سحقت وهزمت.. فلا تعولوا على بلينكن ولا نتنياهو وربما تحمل الأيام القادمة ما يقلب المعادلة ويفرض واقعاً جديداً لأن الوقت ضد الكيان الصهيونى مهما زعموا.. بلينكن جاء إلى المنطقة بعد مقتل السنوار من أجل مساعدة إسرائيل بالحيل أو النصح أو الضغوط على الآخرين لتحويل ما يزعمونه من انتصارات عسكرية إلى سياسية وفرض شروط الاستسلام وانتهاك السيادة والقبول بالأمر الواقع سواء فى غزة أو لبنان ولا وجود للبنود التى تم الاتفاق عليها من قبل.. لذلك فإن وزير الخارجية الأمريكى سيواصل الفشل ليس لسبب إسرائيل وإخوانه الصهاينة ولكن لأن الآخرين لن يقبلوا الاستسلام.
تحيا مصر