أصاب كثيرون حين وصفوا التصريحات الأمريكية الأخيرة أنها بمثابة «وعد بلفور 2» حيث جاءت مجافية تماماً لمبادئ العدالة الإنسانية إذ كيف يمكن الحديث عن «خلع» أناس من أوطان نشأوا فيها ميلاداً وحياة وليس هم فقط بل هى أرض الآباء والأجداد.. ثم ــ وهو الأهم ــ هل يعقل ونحن فى بدايات القرن الواحد والعشرين.. وكما يسمونه «قرن المدنية الحديثة وحقوق الإنسان».. أن يخرج علينا ترمب بتصريحات هى بالأساس أبعد ما تكون عن أى عقل أو منطق مطالباً بإخلاء غزة من أهلها وإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين وإلا أصابهم الويل والثبور وعظائم الأمور.. حقيقى منطق ممجوج ولا يمت بصلة للواقع المعاش حالياً.. هل عدنا مرة أخرى إلى عصور الجاهلية ومجتمع الغاب الذى يأكل فيه القوى الضعيف بلا أدنى شفقة أو رحمة؟!
فى العموم ــ وكما هو معهود ــ وجدنا الموقف المصرى الصلب الشجاع فى مواجهة هذا الصلف الذى نعيشه فى عصر لا ينبغى أن تكون لهذه التصريحات أى قيمة فيه.. وأكدت مصر من خلال تصريحات قياداتها أنها مع الحق الفلسطينى وأن أى محاولة لتهجير أهالى غزة من أراضيهم هى عين الظلم وأنها لن تشارك بحال من الأحوال فى هذا الظلم التاريخى الذى يريدون إيقاعه بأهل فلسطين، الذين عانوا معاناة شديدة على مدى أكثر من ثمانين عاماً من ترويع وقتل وتهجير قسري.. فى ظل وضع دولى عديم العدالة إلى جانب الطغيان وأهله وترك أو تناسى حقوق هذا الشعب المظلوم.
لذا يأتى الموقف المصرى الثابت مسانداً وبقوة إلى جانب حق أهل فلسطين فى إقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.. وكانت مصر فى ذلك واضحة فى موقفها لم تتلون أو تمسك العصا من المنتصف بل صرحت على ألسنة قياداتها بما يجب أن يكون عليه الوضع من إعطاء كل ذى حق حقه وكفى الفلسطينيين معاناة على مدى تاريخهم الطويل منذ نشوب أزمتهم.
وإذا كان هذا هو حال الموقف المصرى فإن الشيء بالشيء يذكر وهنا أجد أن الدعوة المصرية لقمة عربية عاجلة فى القاهرة نهاية هذا الشهر هى عين العقل والصواب ومن ثم وجدنا تجاوباً كبيراً عربياً مع دعوة مصر لهذه القمة بل الأكثر من ذلك جاءت التصريحات من عواصم عربية متعددة متوافقة تماماً مع الموقف المصرى فى دعم شعب فلسطين والوقوف بكل قوة فى وجه دعوة التهجير القسرى لأهالى غزة.
لقد حان وقت التكاتف العربى خاصة أن هذا الظرف الاستثنائى يحتم على البلدان العربية الوقوف صفاً واحداً فى مواجهة كل ما من شأنه المساس بوحدة العرب وسلامة أراضيهم خاصة بعد أن صارت دعوات تهجير الفلسطينيين صريحة بلا أى مواربة والاستيلاء على الأراضى العربية لصالح الكيان اللقيط واضحة للجميع.. إذن فإن قمة القاهرة القادمة هى بمثابة طوق النجاة لمستقبل الأمة العربية.. لذا لابد وأن يكون البيان الختامى لهذه القمة واضحاً صريحاً فى التمسك بالحقوق العربية المشروعة والوقوف يداً واحدة ضد هذه المخططات المشبوهة والعلنية.. وإلا ستدور علينا الدوائر وساعتها لن ينفع الندم وبالتالى فقيادة مصر للأمة العربية فى هذا الظرف الدقيق هى السبيل الأمثل للخروج من أزماتنا المتلاحقة.. وإن غداً لناظره قريب.