قضى زغلول الغول شهرا كاملا فى بناء بيتة طوله متر وعرضه متر، وارتفاعه نصف متر، بناه فى زاوية بين بيتين، الأول قديم، والثانى جديد، انسحب إلى الخلف هذه المسافة طبقا لقواعد التنظيم التى أعدها الحى.
أما صاحب البيت فطوله حوالى مترين يبدو عملاقا كأنه من سلالة الكائنات الأسطورية القديمة.
قضى زغلول هذه المدة يجمع كل ما يعثر عليه من أحجار وأخشاب وحديد وبلاستيك وزجاج وغيرها من المواد التى تستخدم فى بناء المنازل، جمعها من الشوارع والحوارى المنتشرة هنا وهناك.
وفى اليوم الأخير جلس ينظمها ويرتبها حتى تحولت إلى بناء يشبه المنزل على قدر استطاعته وجلس سعيدا بجوار البيت الجديد يغنى بنغمة مسموعة لكنها غير مفهومة.
جميع أبناء الحى بلا استثناء يعرفون القول حق المعرفة عدد قليل منهم يعرف عمره الحقيقى وهناك من يتصور أنه شاب ومن يظنه رجلا ومن يتصوره شيخا مسنا.
يقضى النهار بطوله ذهابا وإيابا يشترى الخبز والفول والخضراوات وينجز كل الأشياء المطلوبة منه بلا كلل أو ملل خاصة من نساء الحارة فمن وجدن فيه خيراً بعهن على أعبائهن التى لا تنهى وهو دائما على أتم استعداد لا يعترض ولا يعتذر.
أكثر ما كان يميزه مشيته العجيبة بقدميه الكبيرتين وذراعيه الطويلين ورأسه الأصلع ورقبته الطويلة وقامته المديدة وهيكله الكبير.
إذا رفض طفل تناول طعامه أو الذهاب إلى المدرسة أو إعداد واجبه المدرسى يكفى أن تذكـر أمه اسم زغلول حتى يلتهم طعامه أو يجرى إلى مدرسته أو يعد واجبه فى التو وللحظة.
كانت أعراضه الجانبية قليلة إذا قورنت بفوائده.. إذا قذفه الصبية بالطوب جرى خلفهم وضربهم بالطوب فيصيب عابر سبيل أو يحطم زجاج نافذة أو باب فى أحد المنازل أو المحلات.
وفى أحوال قليلة إذا داعب بعض النساء يشتعل الموقف لكن سرعان ما تهدأ الأحوال عندما تعرف الضحية حقيقة الأمر.
ولا أحد يعرف ما الذى يدور فى رأسه ولا الطريقة التى يختار بها ضحاياه وأغلب الظن أنه يختار الغرباء عن المنطقة لكى يلفت نظرهم إليه.
قالوا عنه أصبح عاقلا فى الفترة الأخيرة وفى أحوال كثيرة تعطيه النساء أطفالهن ويمضى بهم سعيدا إلى الفرن أو السوق ليشترى لهم الحلوي.
لم يره أحد يرتدى حذاء فى قدميه الكبيرين وهو يمشى حافيا صيفا وشتاء ظن البعض أن السبب هو عدم وجود الحذاء الملائم له لكنه فى الحقيقة يضيق بكل القيود فجلبابه مفتوح دائما من رقبته وعند كفيه.
أعطاه رجل طيب حذاء كبيرا يحميه من شر البرد والمطر حاول أن يرتديه فسقط على الأرض حمله بين يديه لمدة أيام ثم ألقاه على قارعة الطريق.
كان زغلول ابنا وحيدا لتاجر كبير ترك له عمارة فى الحارة مكونة من أربعة طوابق يسكن فيها أقاربه بعد وفاة والده ووالدته وتركوه فى حجرة وحيدة فى الطابق الأول ووفروا له الحد الأدنى فى متطلبات الحياة.
قال له البعض هذا البيت بيتك يا زغلول لكنه لم يكن يعرف الكلام بل يصدر أصواتا بلا معنى.
كان رغم هيكله العظمى الضخم وبنائه العملاق ضعيفا يسقط على الأرض إذا دفعه أحد الصبية بصورة مفاجئة ويقوم بصعوبة بالغة ويقذف من دفعه بالطوب ويجرى خلفه.
قضى زغلول معظم ساعات النهار بجوار بيته الجديد كان سعيدا بهذا البيت سعادة بالغة إذا انتهى من أعماله اليومية ولبى جميع احتياجات أهل الحارة من الفرن والسوق جلس أمامه ونام فى بعض الأحيان بجواره وفى كل يوم كان ينظف المكان أمام بيته الجديد.
لم تدم سعادته طويلاً بعد أيام قليلة جاءت سيارة الحى وحملت منزله ضمن حملة للنظافة بعد شكوى فى باب بريد القراء بإحدى الصحف.
جلس فى نفس المكان يبكى ويصدر أصواتا تعبر عن حزنه لا يعرف أحد معناها.
ضحك أهل الحارة ولم يتمكن زغلول من شرح أى شىء يجول بخاطره ويدور فى عقله ويقلقه .