حرب أكتوبر المجيدة لم تكن مجرد معركة عسكرية خاضتها مصر وحققت فيها أعظم انتصاراتها، وانما كانت اختباراً حقيقياً لارادة الشعب المصرى على تحويل الحلم إلى حقيقة، بل لم تقتصر آثارها على المدة الزمنية للحرب، وانما امتدت لتنشر أشعة الأمل فى كل ربوع مصر، وتبعث فى نفوس المصريين جميعاً روحاً جديدة تتسم بالاصرار والتحدى والقدرة على مواجهة الصعاب وتحقيق الانجازات. وستظل ذكرى معركة الكرامة محفورة فى القلوب وتتناقلها الأجيال لأنها ذكرى من نوع خاص تجلت فيها الإرادة المصرية والعزيمة الحديدية للجندى المصرى التى لا تقهر والممزوجة بالإيمان القوى الذى لا يتزعزع عن تضحيات وبطولات على أرض سيناء الطاهرة روتها دماء جنودنا البواسل وسطروا قصصاً تشيب عند سماعها القلوب وتذوب المشاعر لنسترد الأرض وننعم بالأمن والسلام. . وعبقرية الجندى المصرى ظهرت ايضاً فى تحطيم أسطورة خط بارليف المنيع الذى ازاله الجنود وعبروا فى محلمة رائعة أظهرت ضعف العدو أمام العبقرية المصرية ومفاجأة العدو فى تخطيط استراتيجى غير مسبوق، ونحن نحاول من خلال تلك السطور ان نقدم نماذج من هذه البطولات لنعيش لحظات النصر واستعادة الأرض مع أبطال حرب أكتوبر.
العميد محمد فكرى:
معركة «جبل المُر».. ملحمة من الصمود والتحدى
نجحنا فى السيطرة على أهم موقع غرب المضايق فى سيناء
يقول العميد محمد فكرى أحد أبطال سلاح المشاة إنه بعد تخرجه فى الكلية الحربية عام 1968، انضم إلى حرب الاستنزاف والتى كانت مرحلة أساسية شهدت إعداداً مكثفاً للقوات المسلحة، وكبدنا العدو خسائر فادحة وكانت تطور كبير لمراحل القتال وحصل عبور فردى للضباط وأنا من ضمنهم واستطلعت المواقع والنقاط القوية وبعد ذلك تم وضع خطط لمهاجمة هذه المواقع.
ساعة الصفر
استكمل العميد محمد فكرى وتم استدعاؤنا من فرقة مشاة وتوقفت الفرقة وتجمعنا فى الكتائب، وكانت القوات رافعة حالات الاستعداد، والمركبات والذخائر على أهبة الاستعداد أيضاً، وفى يوم 4 أكتوبر كنا نفطر سويًا مع بعض القادة، من بينهم الرائد فخرى المسيرى، الذى تنبأ بيوم العبور، حيث قال لنا وقتها إن يوم السبت عيد لدى اليهود لذا قد يكون ساعة الصفر، لكن شاء القدر أن يستشهد الرائد المسيرى يوم 6 أكتوبر.
صاروخ المالوتكا
تابع يوم السبت 6 أكتوبر الساعة 10 صباحاً استلمت ظرفاً به ساعة الصفر، وكنا على أتم استعداد بالفعل وتم العبور وشاهدنا أعظم مشهد، من خلال الضربة الجوية والعبور بالقوارب للضفة الشرقية، وشاهدنا كيف كان جندى المشاة يهاجم المدرعات بل ويدمرها من خلال صاروخ «المالوتكا» فقد كانت أعظم ملحمة بمعنى الكلمة فقد سهلت المفاجأة الإستراتيجية لنا اقتحام قناة السويس وعبور 80 ألف جندى فى الساعات الأولى وأقمنا المعابر.
المهمة الرئيسية
أشار العميد محمد فكرى إلى أنه كان مخططاً لـ5 فرق مشاة عبور قناة السويس، وكنت من بين هذه الفرق وكانت المهمة الرئيسية اقتحام جبل المر، وبالفعل استطعنا الاستيلاء على جبل المر فى وقت محدود جدًا وبخسائر لا تذكر، يوم 9 أكتوبر وانسحب العدو تماماً حينما وجد كميات من الصواريخ تطلق عليه من أعلى الجبل.
قلاع وحصون
بسقوط الجبل سيطر الجيش المصرى على أهم موقع غرب المضايق فى سيناء بعد أن عانت من قصف مدفعياته مدينة السويس وبور توفيق على مدى أكثر من ست سنوات، ويسقط الجبل ويعتلى قمته خمسون مقاتلاً لا يزيدون وتحطمت الأسطورة وحدثت المعجزة فخمسون مقاتلاً يرهبون آلافا متحصنين فى جبل المر ويجعلونهم يفرون من هذه القلاع والحصون خائفين مذعورين، لقد ولت دبابات العدو الأربع عشرة الأدبار هاربة نحو الشرق ويخلو جبل المر وما حوله من قلاع وحصون وكان قول الله «وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف فى قلوبهم الرعب».
الوقفة التعبوية
أوضح العميد محمد فكرى أن طريقة الإسرائيليين فى القتال مختلفة فمعظم أعمال قتاله كانت تتم عن بعد، فكانت القوات الإسرائيلية لا تقاتل إلا بأعمال الارتداد وبالتالى كنا نهاجمه ونتوقف فنكسب نحن أرض ويخسرها هو، إلى أن وصل على خط يصل إلى 20 كيلو شرق السويس، وقواتنا على مسافة 15 كيلو فيما عرف بالوقفة التعبوية.
اللواء فؤاد فيود: قهرنا الإسرائيليين
قوات الصاعقة حولت سيناء إلى «كرة نار» أمام العدو
تعد حرب أكتوبر معركة فريدة من نوعها؛ إذ أعطت درسًا نموذجيًا يُحتذى به فى فنون الحرب والقتال والمعارك، وفى براعة التخطيط الاستراتيجى والقيادة الحكيمة التى استخلصت العبر والدروس واستخدمت عنصر المفاجأة، وحطمت نظرية الأمن الإسرائيلى، فانهار العدو معنويًا وعسكريًا رغم التحصينات والتسليح الأفضل، وشعر الجميع من الحلفاء والأعداء بمزيج من الدهشة والصدمة، ليتوقف التاريخ العسكرى أمام تلك الحرب، كما تنبأ الرئيس السادات حين قال فى خطابه : «ولست أتجاوز إذا قلت إن التاريخ العسكرى سوف يتوقف طويلاً بالفحص والدرس أمام عملية يوم السادس من أكتوبر سنة 73 حين تمكنت القوات المسلحة المصرية من اقتحام مانع قناة السويس الصعب واجتياح خط بارليف المنيع وإقامة رؤوس جسور لها على الضفة الشرقية من القناة بعد أن أفقدت العدو توازنه.. فى ست ساعات. نعم، توقف التاريخ العسكرى أمام خطة تلك الحرب العظيمة، وصدق الرئيس السادات، هذا ما أكده وذكرنا به اللواء فؤاد فيود، قائد فصيلة مشاة ميكانيكى فى حرب اكتوبر ومستشار مدير إدارة الشئون المعنوية بالقوات المسلحة، اثناء حواره الينا: موضحًا أن العالم كان يرى مصر فى هذا التوقيت غير قادرة على الحرب و القتال أمام التفوق العسكرى الإسرائيلى و بعد أن فقدت كثيرا من معداتها عام 1967، مضيفًا إننا خضنا الحرب على عكس التوقعات، وأذهلنا العالم، والنتيجة لم تكن استرداد أرضنا المحتلة فقط بل وتأمين حدودنا، ولم يجرؤ العدو على التفكير فى المحاولة مرة أخرى، وجلس معنا ليتفاوض ووقع معاهدة سلام، وأدرك العالم منذ ذلك الحين أن مصر بها جيش متأهب لقطع أيدى كل من تسول له نفسه اغتصاب شبر واحد من أرضه. . ولفت إلى أنها كانت حربا تاريخية بمعنى الكلمة، و تركت آثارًا ممتدة حتى يومنا هذا، حيث خرجت مصر من تلك المعركة «بدرع وسيف» أى بجيش عظيم قادر على الردع وحماية الوطن، فلا يستطيع أحد الاقتراب من أراضينا بفضل وجود هذا الجيش.
وروى اللواء فؤاد فيود، ذكرياته عن حرب أكتوبر مؤكدًا أنها بدأت يوم 11 يونيو 1967 أى بعد 6 أيام من النكسة، عندما هتف الشعب المصرى للقائد الزعيم جمال عبدالناصر رغم الهزيمة وقام بتفويضه على أن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة وبعد 20 يومًا وتحديدًا يوم 1 يوليو 1967 دارت معركة «رأس العش» عندما تقدمت قوة إسرائيلية شمالا من مدينة القنطرة شرق – شرق القناة – فى اتجاه بور فؤاد – شرق بورسعيد – لاحتلالها وهى المنطقة الوحيدة فى سيناء التى لم تحتلها إسرائيل أثناء حرب يونيو تصدت لها قواتنا ودارت معركة رأس العش.
قال فيود: إنه فى تلك المعركة تمكنت سرية من الصاعقة المصرية عددها 30 مقاتلاً، من عمل خط دفاعى أمام القوات الإسرائيلية وهنا تمكنت قواتنا من تدمير 3 دبابات معادية وثانى يوم عاود العدو الهجوم مرة أخرى إلا أنه فشل فى اقتحام الموقع بالمواجهة أو الالتفاف من جانب آخر، وكانت النتيجة تدمير بعض العربات نصف جنزير بالإضافة لخسائر بشرية واضطرت القوة الإسرائيلية للانسحاب وهذه كانت أول مراحل الحرب وظل قطاع بور فؤاد هو الجزء الوحيد من سيناء الذى ظل تحت السيطرة المصرية حتى مجىء عبور أكتوبر 73..وتابع أنه يتذكر جيدًا أداء و استبسال زملائه بالمعركة، وإصرارهم على عدم العودة إلى ديارهم قبل إعادة سيناء لمصر، فضلًا عن التفاف الشعب خلف قيادته وجيشه فى تلك الفترة العصيبة، بجانب دعم الشركات المدنية للقوات المسلحة.
الصواريخ البحرية
قال «فيود» إنه فى 14 يوليو 1967 قامت القوات البحرية المصرية باستهداف تشوينات الأسلحة والذخائر الخاصة بالجيش الإسرائيلى وتدميرها ويوم 21 اكتوبر 67 استخدمت الصواريخ البحرية لأول مرة فى تدمير المدمرة ايلات وإغراقها امام بورسعيد وهذه تسمى مرحلة الصمود.. تلتها مرحلة الدفاع النشط من سبتمبر 68 حتى 8 مارس 69 وقمنا بعمل غارات وكمائن على العدو الإسرائيلى وألحقنا بهم خسائر فادحة وبدأنا فى معركة الاستنزاف منذ يوم 8 مارس 1969 وثانى يوم استشهد الفريق عبدالمنعم رياض رئيس أركان حرب القوات المسلحة حيث كان فى الخط الأول فى المهاجمة مع الجنود والقوات وهذا دليل على عظمة القيادة. استمرت معارك الاستنزاف حتى يوم 8 اغسطس 1970، وتم اعادة بناء وتنظيم القوات المسلحة المصرية وتسليحها وتدريبها وبناء حائط الصواريخ ونجاح القوات المسلحة فى إسقاط الطائرات الفانتوم الإسرائيلية..حيث تضمنت تلك الفترة العديد من إنجازات القوات المصرية، ومنها إغراق المدمرة الإسرائيلية إيلات، والقصف المدفعى المركز على خط برليف، ثم الثأر للشهيد عبدالمنعم رياض بعبور وحدة خاصة القناة، بقيادة إبراهيم الرفاعى وقتلت وأصابت ما لا يقل عن 40 ضابطًا وجنديًا من جنود العدو كما دمرت العربات المدرعة ومخازن الذخيرة الموجودة بالموقع.
عبقرية المفاجاة
أردف: طبقنا مبدأ المفاجأة وهو أهم مبادئ الحرب وهو يعنى القيام بعمل غير متوقع فى مكان غير متوقع فى زمن غير متوقع وتم اختيار يوم الهجوم يوم سبت حيث يوم إجازة لدى إسرائيل والحركة عندهم محرمة وكان يوم عيد الغفران ولم تتمكن إسرائيل من عملية التعبئة للاحتياطى فضلا عن أن هذا الشهر كان وقت انتخابات الكنيست ومعظم أعضائه من القادة الإسرائيليين فكانوا مشغولين بالانتخابات وكان يوم 10 رمضان اى أن ضوء القمر سيستمر حتى منتصف الليل مما سيساعد سلاح المهندسين فى عمل الكبارى على القناة. وعبرنا القناة فى العتمة المظلمة وكنت واحدا من قادة أطقم اقتناص دبابات العدو وأحدثنا خسائر مروعة للعدو وفشلوا فى استرداد خط بارليف وكانت قواتنا الجوية قد دمرت الأهداف الحيوية للعدو كاملة وألحقت بهم خسائر فادحة واستيقظ العالم كله على هزة عنيفة وهو غير مصدق لهزيمة إسرائيل الاسطورة التى لا تقهر.
شاركت فى تأمين العمق التكتيكى للجيش الثانى الميدانى والتصدى للقوات المعادية التى كانت تحاول الاستيلاء على مدينة الاسماعيلية ونجحنا فى هذا بالتعاون مع قوات الصاعقة المتمركزة فى منطقة ابو عطوة فى ايقاف تقدمها بعد مواجهة شرسة. . واختتم اللواء فؤاد فيود حديثه قائلًا: كانت هناك مقولة شهيرة وهى أن جيش إسرائيل لا يقهر لكن العزيمة والتخطيط الجيد ووضوح الهدف والتدريب العنيف أدى إلى النجاح أثناء التنفيذ فقهرنا الأسطورة والغطرسة الاسرائيلية وكشفنا قوتهم وحقيقتهم فى حرب أكتوبر المجيدة ولقناهم درسا فى فن القتال لن ينسوه أبدًا.
اللواء محمد عبدالقادر بطل المدفعية:
نفذنا أكبر تمهيد نيرانى بطول الجبهة لتأمين قوات الموجة الأولى للعبور
القوات المسلحة سطرت أروع ملحمة عسكرية فى تاريخ الحروب الحديثة
قال اللواء محمد عبدالقادر أحد أبطال حرب أكتوبر وقائد سرية بسلاح المدفعية إنه تخرج فى الكلية الحربية فى يوليو 1969 سلاح مدفعية ميدان، وعملت فور تخرجى كضابط استطلاع، وشاركت مع كتيبتى فى حرب الاستنزاف من خلال قصفات المدفعية التى كنا نمطر بها العدو فى خط بارليف، على طول الجبهة كل يوم طوال حرب الاستنزاف، من خلال خطط العمليات التى كانت موضوعة وقتها، ثم عينت عام 1971 قائداً للسرية، وشاركنا مع تشكيلات الجيش الثانى فى كل خطط إزعاج العدو بقصف مدفعى مركز على مخازن الذخيرة والنقاط القوية ومراكز القيادة والسيطرة فى عمق سيناء، حيث كنا نمتلك مدافع متقدمة مدى المدفع أكثر من 15 كيلو متراً.
حصون العدو
أشار إلى انه كان له شرف عبور القناة مع أول موجة للعبور، وعبرت مع مراكز الملاحظة التابعة لى فى قاربين فى الساعة الثانية وخمس دقائق يوم السبت 6 أكتوبر 73، وتسلقت الساتر الترابى وسجدت شكرا لله على أول حبة رمل فى الضفة الشرقية، ثم انطلقنا فى طريقنا والطائرات المصرية تمر فوقنا بكل فخر، تدك حصون العدو بشراسة ودقة، وتقدمنا كالسيل الذى لا يوقفه شىء إلى أرض سيناء.
أشرس المعارك
أشار إلى أن كتيبته كانت مكلفة بمهمة القضاء على القوات التى تقترب من قوات المشاة التى تعبر القناة فى القوارب المطاطية بالأسلحة الخفيفة، والآر بى جى، حيث لم تكن الدبابات والأسلحة الثقيلة قد عبرت بعد، ومنعنا العدو من الاقتراب ودارت وقتها أشرس معارك بيننا وبين قوات العدو المتمركزة على شرق القناة، ونجحنا فى تأمين قوات الموجة الأولى للعبور من قصف المدفعية الإسرائيلية، ومساعدتها فى التغلغل فى عمق دفاعات العدو، من خلال ضرب بطاريات الصواريخ المتركزة شرق القناة، والقضاء على دبابات العدو المقتربة من العمق وكذلك المجنزرات وعربات اطلاق الصواريخ لمدة 6 أيام.
تلاحم عربى
يرى أن الدعم العربى لمصر كان بلا حدود منذ حرب الاستنزاف وحتى نصر أكتوبر، حيث كانت متواجدة معنا كتيبة مشاة كويتية، والجزائر عندما قامت باستيراد أسلحة من فرنسا سلمتها لمصر ومن ضمنها المدافع التى استخدمناها فى 73، ولن انسى دور الطيران العراقى سواء فى حرب الاستنزاف أو أكتوبر، والشهداء العراقيين من الطيارين مدفونين فى مقابر الجيش الثانى الميدانى، والسعودية عندما قامت بتحويل مسار سفن البترول المتجه إلى أوروبا لتتوجه إلى مصر، كل هذا يدل على تلاحم عربى.
نهاية الحرب
أشار إلى استمرار أعمال القتال والتوغل فى عمق سيناء حتى نهاية الحرب، وانضمت كتيبتى ضمن عدد من الوحدات والتشكيلات من سيناء شرق القناة إلى غرب القناة فى منطقة أبوسلطان، لحصار قوات العدو الموجودة فى الثغرة، ومنعها من التقدم، ونفذت جميع المهام الموكلة إلى، وحصلت على نوط الواجب العسكرى من الطبقة الأولى، ثم رقيت إلى رتبة العميد فى 1992 وأحلت إلى التقاعد بنفس التاريخ.
دروس مستفادة
قال اللواء محمد عبدالقادر إنه عندما كان شاباً وعمره 24 سنة كان يحرس أربعة مدافع، بالإضافة إلى مسئوليته عن أرواح 103 من الجنود، والأهم من هذا كله شرف البلد وكرامتها التى استطعنا أن نعيدها، مشيرا إلى أنه بالعزيمة والقوة استطاع الجنود الحفاظ على كل شىء واستلام مصر خالية من أى احتلال للجيل القادم، فيجب على هذا الجيل الوقوف وراء القيادة السياسية من أجل مستقبل أفضل للأجيال القادمة، وفى ختام حديثه طالب بضرورة نشر بطولات أبطال القوات المسلحة فى نصر أكتوبر بجميع وسائل الإعلام وفى المدارس والجامعات والمؤسسات، لتوضيح الأعمال البطولية لهولاء الأبطال الذين ضحوا بأرواحهم فداء للوطن.
لأول مرة.. نقيب المعلمين يكشف عن دوره فى حرب ٦ أكتوبر 1973:
أسقطنا طائرات «الفانتوم» و«سكاى هوك».. وخطة الخداع بداية النصر
كتب – محمد زين الدين:
كشف خلف الزناتى نقيب المعلمين ورئيس اتحاد المعلمين العرب، عن دوره فى حرب 6 أكتوبر 1973، التى شارك بها جنديا بالقوات المسلحة ضد العدوان الإسرائيلى، فى وحدات الدفاع الجوى، التى كان لها دور كبير فى تحقيق النصر وتحرير سيناء وكامل التراب الوطنى.
أضاف الزناتى أن حرب أكتوبر، تعد علامة مضيئة فى تاريخ العسكرية المصرية العريقة، دفع فيها المصريون أثمانًا غالية من دمائهم الطاهرة، ليستردوا كامل ترابهم الوطنى.
قال نقيب المعلمين فى تصريحات خاصه لـ «الجمهورية»، فى البداية، انضممت للقوات المسلحة، فى أول دفعة مؤهلات عليا عام 1978، بعد النكسة بعام، وكان تجنيدى فى وحدة كسفريت بين الإسماعيلية والسويس، وتليقنا فيها التدريب الأولى، ثم انتقلت للانضمام لقوات الدفاع الجوى بأحد المراكز الرئيسية على الجبهة الأمامية بالبحر الأحمر، وكنت أحد المسئولين عن مراقبة حركة الطائرات على شاشات الرادار، وكانت سعادتنا كبيرة بعد اكتمال بناء حائط الصواريخ فى نهاية يونيو عام 1970، على امتداد جبهة قناة السويس بعد ملحمة هائلة، وبدء مواجهة طائرات العدو الجوى الإسرائيلى، معلنين بتر ذراعه الطولى.
أضاف أنه قبل حرب 6 أكتوبر، حققت قوات الدفاع الجوى بشائر النصر، وتمكنت من اسقاط أحدث طائرات العدو فى ذلك الوقت من طراز «الفانتوم وسكاى هوك» .
قال نقبب المعلمين إن خطة الخداع استمرت حتى يوم 5 أكتوبر.
يتذكر نقيب المعلمين أنه فى يوم السادس من أكتوبر عام 1973، كانت صيحات الله أكبر تزلزل قناة السويس، وداخل مراكز القيادة للدفاع الجوى، وحققت الضربة الجوية أهدافها ونجحنا فى مباغتة العدو، وكبدناه خسائر فادحة، لا يمكن أن ينساها أبدا.
فى نهاية اليوم الأول للقتال فى السادس من أكتوبر 1973، هاجم العدو الإسرائيلى القوات المصرية فى آخر ضوء بعدد من الطائرات، وكنا مستعدين فى مراكز الدفاع الجوى المصرى وفى انتظارهم، ورصدننا جميع تشكيلاتهم، ونجحنا فى اسقاط عدد كبير من طائراتهم وأسر عدد من الطيارين، وهو ما جعل العدو غير قادر على اختراق الجبهة المصرية.
أكد خلف الزناتى، أن ملحمة أكتوبر العظيم، كانت اختبارا حقيقيا لقدرة الشعب المصرى على تحويل الهزيمة إلى نصر مبين، حيث تحدى الجيش المصرى المستحيل، وقهر كل التوقعات، وانتصر على ما كان يراه الكثيرون مستحيلا.
اللواء محيى نوح بطل معركة رأس العش:
المجموعة 39 قتال نفذت 92 عملية على طول الجبهة
عرفت عنه شجاعته وبطولاته الفذة فهو نوعية خاصة جداً من الرجال بطل فوق العادة أحب وطنه وتفانى فى خدمته ووهب حياته لتحرير ترابه وآمن أن جهاده لتحرير وطنه هو جهاد فى سبيل الله وكان هذا هو بداية الطريق، هو واحد من أشجع المقاتلين فى فترة حرب الاستنزاف وأكتوبر اللواء محيى نوح الذى كان ضمن المجموعة 39 والتى ضمت خيرة مقاتلى الصاعقة والضفادع البشرية فى 73 وكرمه الزعيم جمال عبدالناصر بنوط الشجاعة العسكرى من الدرجة الأولى لجهوده فى حرب الاستنزاف وكرمه الرئيس أنور السادات بنوط الجمهورية العسكرى من الدرجة الأولى بعد حرب أكتوبر.
يقول اللواء محيى نوح أحد أبطال المجموعة 39 قتال البداية كانت من حرب 67 وخلالها عبرنا القناة 92 مرة من خلال عمليات الاستطلاع وكمائن، ولأننا وحدة متحركة وليست ثابتة لا يعرف لنا مكان محدد، لذلك نقوم بالعملية ثم نعود مرة أخرى لنفس المكان، فالمجموعة 39 قتال مكونة من الصاعقة، الصاعقة البحرية، الاستطلاع، وأسلحة معاونة وهذه المجموعة مكلفة بتدمير وإيقاع أكبر خسائر للعدو خلال فترة الاستنزاف وحتى حرب 73.
معركة جلبانة
أشار إلى أن أول عملية اغارة أو كمين قامت به المجموعة كانت عملية استطلاع للحصول على معلومات من العدو، والمجموعة نفذت عمليات على طول خط القناة من بورفؤاد فى الشمال حتى رأس محمد فى الجنوب وداخل سيناء وإسرائيل وميناء الأردن، وتعمل بصفة مستمرة لتدمير وإنزال أكبر الخسائر للعدو، وخفض روحه المعنوية، ورفع الروح المعنوية لجنودنا خلال هذه الفترة، وكانت بدايتى فى إحدى كتائب الصاعقة، وهذه الكتيبة شاركت فى حرب 67 وقامت بمعركة كبيرة جداً فى منطقة جلبانة وكان هناك لواء اسرائيلى مدرع قادم من تلال عليش فى اتجاه القنطرة، وجاءت التعليمات بإيقاف هذا اللواء المدرع حتى لا يدخل القنطرة، وتقابلنا معه فى منطقة جلبانة، وبدأت الكتيبة التحرك فى اتجاهات مختلفة، ونجحنا فى تعطيل العدو لليوم الثانى على التوالى وظل ثابتاً فى موقعه ولم يتحرك داخل القنطرة.
رأس العش
ويضيف أن المجموعة كانت تحارب من غير سقف طيران لعدم وجود قوات جوية لدينا فى هذه المنطقة، وقام العدو بفتح تشكيله بعد تدمير منطقة الشئون الإدارية، واتجه نحو الموقع، وبدأ فى التعامل مع الأفراد، وتعاملنا معهم بالقنابل اللاصقة والقنابل اليدوية والار بى جى، وكان وقتها أول ظهور لدبابات الموتن 48 الجديدة التى لا يؤثر بها سلاح الار بى جى، وبعد إيقاف العدو مدة كبيرة انسحبنا إلى منطقة الكاب ثم عبرت سباحة إلى الضفة الغربية، وهناك استخدمت قارباً مع بعض زملائى، وكان هناك قطار يخرج من الكاب إلى بورسعيد، وبدأنا فى ارتداء جلباب بلدى ونتجه إلى بحيرة البردويل حتى وصلنا إلى بورسعيد، وعندما وصل العدو للقنطرة بدأ يتجه إلى منطقة رأس العش للوصول إلى بورفؤاد، وبالتعاون مع الضفة الغربية استطعنا أن نوقف العدو عند منطقة رأس العش وندمر معظم معداته ودباباته، وتكلم الرئيس جمال عبدالناصر عن هذه المعركة فى وقتها، وعينت قائد رأس العش والكاب والتينة، وفى اليوم الثامن من شهر يوليو وجدت بعض وحدات العدو تريد إقامة موقع أمامنا، وكانت عبارة عن أربع عربات مجنزرة ودبابتين، وقفزت فوق فنطاس المياه ومعى حامل الار بى جى، وبدأنا نضرب من فوق فنطاس المياه، ودمرنا أربع عربات مجنزرة، واسرنا دبابة، والدبابة الأخرى رجعت إلى الخلف، وبعد أقل من نصف ساعة وجدنا طيران العدو فوقنا، وقوتنا الجوية وقتها كانت ضعيفة، وبدأ الطيران فى ضرب موقعنا، فأخذت أفراد الصاعقة التابعين لى ووضعتهم فى منطقة الملاحات من الخلف، واصبت أنا فقط، ولم يصب أحد غيرى نتيجة شظية من الطيران، ودمر الموقع من الطيران القاذف والطيران المقاتل، ولم يكن لدينا دفاع جوى فى هذه المنطقة.
لسان التمساح
أكد نوح أنه لم ينسحب ولكن وضعت قواتى فقط فى منطقة الملاحات، وقام العدو بقطع المياه العذبة عنا، وضربوا فندق بورسعيد والمدنيين على الطريق، وثانى يوم ارسلوا لى ضابطاً لأننى كنت مصاباً وتم نقلى إلى المستشفى فى بورسعيد، وبعدها انتدبت لإحدى كتائب الصاعقة مع المجموعة 39 قتال، واختارنى الشهيد إبراهيم الرفاعى من ضمن المجموعة وبدأنا فى عمليات مختلفة من اغارات وكمائن وضرب بالصواريخ ورص ألغام واستطلاع، ونفذنا 92 عملية على طول الجبهة، وكانت أول عملية اغارة بعد استشهاد الفريق عبدالمنعم رياض فى 9 مارس 1969، وجاءت لنا التعليمات بتدمير موقع رأس العش المقابل لموقع لسان التمساح المواجه لمدينة الإسماعيلية، واستطلعنا الموقع جيدا، ووجدنا موقعا مثله فى الخلف، وبدأنا التدريب عليه، وفى يوم 29 بدأنا التحرك للإسماعيلية تحت ضرب نيران المدفعية، وكان ضربا مركزا جدا على الموقع والمواقع المجاورة حتى لا نلفت النظر لنا، وتحركنا مع ضرب المدفعية فى آخر ضوء إلى أن وصلنا إلى جنوب الموقع بحوالى 100 متر، وجاءت التعليمات بوقف ضرب المدفعية، وتحركنا إلى داخل الموقع وكان عبارة عن أربع دشم محصنة تحصينا جيداً وفيها 40 فرداً وأسلحة ومعدات، وكنت قائد مجموعة من مجموعات الاقتحام، وكان يقود الدورية كلها الشهيد إبراهيم الرفاعى ودخلنا الموقع وقمنا بانزال العلم الإسرائيلى وحرقنا منطقة الشئون الادارية، وضربنا قنابل يدوية، وقنابل دخان داخل المزاغب، وبدأ الافراد فى الخروج، وتعاملنا معهم بالرشاشات والاسلحة، وقضينا على قوات المجموعة بالكامل، واصبت فى هذه المعركة، وقام زملائى بنقلى إلى مستشفى القصاصين، ونقلت فى اليوم التالى إلى مستشفى المعادى، وقابلنى اللواء صادق مدير المخابرات الحربية على الطائرة وكنت ملوثاً بالدم وخلافه، وقال لى استعد نفسياً لزيارة مهمة آخر النهار، سوف تقابل الرئيس جمال عبدالناصر وتتكلم معه وتحكى له عما حدث عن أول عملية اغارة انتقاما للشهيد عبدالمنعم رياض، وبالفعل دخل الرئيس ومعه أنور السادات وأظن أنه كان نائباً للرئيس فى هذا التوقيت، والفريق محمد فوزى، ودخل الفريق صادق وعرفه بأننى النقيب محيى نوح من الضباط المتميزين، ثم حكيت للرئيس عما حدث خلال العملية، وطلب منى الرئيس أن نستفيد من هذه العملية، وأن نوقع أكبر قدر من الخسائر فى صفوف العدو ونستمر فى القتال.
أشار إلى استمرار العمليات على طول القناة فى الجنوب، وكانت جولدا مائير هناك لزيارة إحدى المواقع قرب مطار الطور، وجاءت التعليمات لتدميره على الفور، وتحركنا من منطقة الخليج إلى منطقة الطور، وضربنا المطار حتى لا تنزل فيه جولدا مائير، وكان ارتفاع الموج 6 أمتار ورغم صعوبة الجو تحركنا بالقوارب إلى أن جاءت موجة، وكنت فى مقدمة القارب واخذتنى الموجة ونزلت من القارب، ونزل حبل البارومة فوقى فأمسكت به وكنت لا استطيع الخروج من القارب لارتفاع الموج، ودخلت تحت القارب، وشربت ماء بغير ارادتى، ورأيت صورة ابنتى فى ذهنى وأنا تحت الماء، حتى قام المساعد بحرى أبوالحسن بإيقاف القارب وخرجت من تحت القارب بعد توقف قوة اندفاع القارب ثم صعدت ووقفت على القارب مرة أخرى، وحدث نفس الموقف مع صف ضابط كان يدعى غريب وعملنا دائرة حوله حتى قمنا بانقاذه، ورغم هذا الطقس شديد الصعوبة إلا أننا وصلنا إلى مركب شاحط شمال الطور، وكانت مركبا لبنانيا ارتفاعها حوالى عشرين مترا، وقمنا بتسلق المركب ووضعنا صواريخ فوق المركب، وهى صواريخ 130 ملى، ووضعنا ألغاما على الشاطىء كله، ودمرنا ثلاث عربات مجنزرة والمطار، واستمر الضرب 40 دقيقة، وبالفعل لم تذهب جولدا مائير إلى المطار، وذهبت إلى مكان آخر، ورجعنا إلى دوريتنا سالمين رغم صعوبة ارتفاع الموج فى الخليج.
العقيد محيى صادق قائد الفرقة 21 مدرع:
انتصارنا فى حرب أكتوبر غير المفاهيم العسكرية
قوات الاستطلاع نجحت فى كشف تمركزات العدو وأنشطته
قدمنا ملحمة تاريخية سطرها التاريخ بحروف من نور
قال العقيد محيى الدين صادق قـائد الرتل الأمامى للفرقة 21 مدرع أحد أبطال حرب أكتوبر، إنه كان يتلقى دورة تدريبية فى معهد المدرعات وتم استدعاؤه يوم 5 أكتوبر لعمل استطلاع على قناة السويس وكان العبور تحديدا، ويوم 6 أكتوبر بدأت المدفعية ثم الطيران وتمركزت فى الخط الأمامى للقناة ولم انتظر الانتهاء من الساتر الترابى وعبرت بمدرعتى فى البداية وعبرت من خلفى باقى المدرعات.
تدريبات مكثفة
واشار «محيى الدين» الى ان الجنود المصريين تلقوا تدريبا عاليا للغاية قبل ملحمة أكتوبر والدليل على ذلك مدفع المشاه ss10 ويبلغ وزنه 240كيلو جراماً وهو محمول على ظهر جندى ويعبر به القناة، وحتى الان يتم إجراء تجارب لحمل المدفع على ظهر جندى وباءت كل التجارب بالفشل، ولا نعلم وقتها كيف حدثت هذه المعجزة، وعبرت واشتركت فى قتال ودمرت 4 دبابات وتم أسر واحدة وكانت دبابة أمريكية حديثة وتم نقلها إلى غرب القناة حتى تتم دراستها، وانتظرت حتى جاءت الكتيبة ثانى يوم صباحا وبدأت الاشتباكات والمعارك.
القتال الليلى
أوضح ان حرب أكتوبر عكست مقاييس الحروب فى العالم كله لان المفترض طبقا للتكتيك السوفيتى ان يكون المشاة فى المقدمة والمدرعات فى الخلف ولكن القوات المسلحة فعلت العكس وجعلت المدرعات هى الدرع فى المقدمة، ويوم 9 أكتوبر دخلنا فى اشتباك مع العدو استمر 24 ساعة واسقطنا جزءاً كبيراً منها على الرغم من انهم كانوا مسلحين بأحدث الأسلحة الامريكية، وفى النهاية انسحبوا لان العدو الإسرائيلى كان يتلاشى القتال الليلى مع القوات المصرية خلال حرب أكتوبر.
العقيدة القتالية
أضاف ان ضباط الاستطلاع فى الجيش المصرى وقت حرب أكتوبر نفذوا الكثير من الغارات الليلة على الجنود الاسرائيليين لعدم قدرة العدو على القتال الليلى دخلنا فى معارك تصادمية شديدة وكانت شرسة جدا ولكن تدريبنا وممارستنا جعلنا متفوقين عليهم حتى جاءت لنا التعليمات بتطوير الهجوم من اجل تخفيف الضغط على سوريا وتقدمنا على هذا الاساس، وانتهت الحرب وكانت الروح المعنوية هى كلمة السر، والقوات المسلحة الان فى المقدمة نتيجة لامتلاك أحدث الاسلحة والتدريبات المشتركة مع جميع الدول، ايضا هناك امر اخر كان سبباً لانتصار حرب أكتوبر وهو العقيدة القتالية للجيش المصرى.