أبناء سيناء قاموا بما عليهم لصالح هذا الوطن، وكانوا أول مَن سدد فاتورة الدم دفاعًا ليس فحسب عن سيناء إنما عن الوطن… ترابه المقدس وأهله الطيبين، وكان مقتضى الحال يستوجب حكى بطولات المصريين أبناء سيناء ليس سردًا لمرثية هؤلاء الرجال والنساء والأطفال؛ بل لرد الفضل لأصحاب الفضل على كامل الوطن، هم مَن تقدموا طواعية عقب النكسة لمساعدة قواتنا المسلحة فى استعادة الأرض والكرامة ولو كلّفهم هذا السبيل الروح والدم، ولم يعلموا أن أحدًا سيذكرهم، ولم يقدموا على التضحية لمجد يسعون إليه بل لمجد الوطن وأهله… وهم الذين منحتهم أرض سيناء المقدسة نوعاً من قداسة البطولة، وكرم التضحية، وعفوية الفداء.
وفى أثناء شهر سبتمبر 1973 جاءت الأوامر بنسف عدة محاور وطرق قد أنشأها العدو لتصلح لمرور حملاته العسكرية، وبالتحديد قامت مجموعة النسف والتدمير ومعها مجموعة المراقبة والتأمين بأعمالهما فى تلغيم كوبرى (لحفن)، وتم إعطاء المعلومة للقيادة فى الغرب بتمام الاستعداد والجاهزية للتنفيذ، وصدرت الأوامر بالتنفيذ وتحدد اليوم والساعة من القيادة بالغرب، وعندما تم اتخاذ كافة إجراءات التنفيذ الآمن للعناصر، وقبيل التنفيذ بخمس عشرة دقيقة؛ ورد عبر وسيط إيقاف العملية التى ظللنا نعمل على تنفيذها وتأمين سريتها أسبوعين كاملين بلا نوم أو راحة، وتعجبت العناصر من القرار لسهولة ويسر التنفيذ، لكن كانت الأطقم مدربة نفسيًّا على الطاعة، لأنه من الأكيد أننا لا نعرف كل شيء فى الميدان، وأن آخرين أمثالنا يعملون على تأمين الجميع وللصالح العام لسيناء.
بالفعل تواتر الخبر بتواجد عناصر بدوية تتكون من خمس أسر ترعى بجوار منطقة التفجير والنسف، وأن القيادة فى الغرب وصل إليها تواجدهم من أعين أخرى فى وقت قريب من وقت التنفيذ؛ لذا تم إلغاء العملية حتى إشعار آخر، بلغ الحزن لعدم التنفيذ مداه فى نفوس رجالي، لكن أيضًا كان لهذا القرار فى عدم التفجير رغم أهميته القصوى التى كنا على علم بأنه يحرم العدو من ميزة تحرك ووصول سريع بقوات كبيرة عبر الكوبري، إلا أن حياة أهل سيناء كانت تشكل أمرًا أهم بكثير من حرمان العدو من ميزة تكتيكية قد يدفع ثمنها قواتنا فيما بعد، لكن ليس على حساب أرواح الأبرياء من أهل سيناء.
هذا الأمر زادنى ورجالى إصرارًا بالتنفيذ الآمن للمهمة، وقمنا بوضع خطة نقل للأسر الخمسة التى تواجدت فجر يوم التنفيذ، من خلال عرض بشراء أغنامهم بسعر مضاعف، مما أغراهم بالانتقال للبحث عن راعٍ يرغب فى بيع البعض من أغنامه، وبالتالى يزداد ربحهم، وبالفعل تم عرض الخطة على القيادة بالغرب عبر الوسيط، ومع التأكيد عن دقة تنفيذها دون لفت الأنظار لأى شيء، وبعد البدء فى تنفيذ الإجلاء الطوعى للأسر والتأكد من انتقالهم إلى مسافة آمنة بعيدًا عن أثر النسف والتفجير، تلقينا الأوامر بالتنفيذ فى نهاية الليلة الأخيرة من شهر سبتمبر 1973، وما كانت سوى أيام ستة حتى تناقلت الأنباء بعبور قواتنا إلى سيناء من جديد، وتفهمنا حينها أن التفجير لكوبرى لحفن حرم العدو من المناورة بالقوات أو إمداد القوات بالاحتياطى التعبوي.
وتلك بعض من عشرات العمليات التى أديتها مع رجالى أبناء سيناء وفقًا للأوامر من القيادة فى غرب القناة، وبعد هذه السنوات الطويلة التى ما زالت حية داخلى وشاخصة أمام عيني، ومن أجل اولادى سليم وأحمد وبشير ومحمد ومريم وزينب وكل الأجيال القادمة؛ إن كل ما أرجوه الآن هو استمرار تدفق وعبور أبناء الوادى لسيناء؛ لأننى أعلم تمام العلم أن الفراغ قد يغري!