تظل سيناء حاضرة فى الذاكرة الإنسانية للمصريين.. كأرض مباركة تجلى فيها الخالق لكليمه موسى عليه السلام، ومساراً لرحلة العائلة المقدسة من فلسطين إلى مصر، إلى جانب ذكرها فى القرآن الكريم فى أكثر من موضع، وما ذكر من بعض السلف وفى بعض المراجع أنها كانت موطأ قدم رسول الله «عليه الصلاة والسلام» خلال رحلة الاسراء والمعراج.
رغم ذلك كله إلا أنها تظل حاضرة أيضًا فى الذاكرة الوطنية المصرية عبر تاريخها الحديث بالكثير من الذكريات، أكثرها أثرًا عندما اختطفت من حضن الوطن خمسة عشر عامًا، تألمنا منها وتألمنا لها، قدم خلالها هذا الوطن الكثير من دماء أبنائه ثمناً لتحريرها واستردادها إلى أحضانه مرة أخري.. وما أقساها معارك الاستنزاف والعبور والتحرير، ولكنها الأرض المقدسة التى يبذل فى سبيلها كل غال ونفيس حتى ولو كانت الدماء والأرواح، لتظل سيناء رغم جغرافيتها وموقعها على بعد مسافات وسفر لها فى قلب كل مصرى مكانة ومستقر، والشاهد على ذلك أنه لا يوجد فى كل ربوع مصر بيت إلا وقدم احد أبنائه لسيناء حربًا وسلامًا تطهيرًا وتعميرًا.
سيناء حالها حال وطن كامل، عانى عقوداً من الاهمال والنسيان، وطالها ما طاله من فساد وسوء إدارة، حتى بعد تحريرها لم تكن الدولة تملك الإرادة لتقتحم هذه المنطقة الغالية التى أصبحت وجهة للخارجين عن القانون ومأوى لزراعة المخدرات وعمليات التهريب والهجرة غير الشرعية والتجارة غير المشروعة، فى ظل غياب آليات الدولة عن أغلب مناطقها إن لم يكن كامل مساحتها، مما جعلها مرتعًا ووكرًا لكل الخارجين على القانون إلى جانب تحولها إلى قبلة للجماعات المتطرفة من أعضاء تنظيمى القاعدة وداعش والعائدين من مناطق النزاع فى أسيا والعراق.
ومع اندلاع احداث 25 يناير ودخول مؤسسات الدولة فى مواجهات كثيرة أدت إلى ضعف الجبهة الداخلية وحدوث حالة من الانفلات الأمنى وانتشار أعمال البلطجة، أصبحت سيناء وجهة المتطرفين والخارجين عن القانون مدعومين بعناصر خارجية تنظيمًا وتمويلاً، ومع تولى جماعة الإخوان الإرهابية مقاليد الحكم زادت الأمور عن حدها، وفقدت الدولة سيطرتها على شبه جزيرة سيناء إلا ما رحم ربي، وأصبحت ساحة لأعمال العنف والإرهاب بشكل شبه يومي.. عمليات إرهابية وتفجيرات وزرع عبوات ناسفة وتوجيه عربات مفخخة واستهداف للجيش والشرطة سعيًا للوصول إلى فراغ كامل للسلطة فى أرض الفيروز تمهيدًا لاعلانها إمارة إسلامية تتبع للجماعات المتطرفة.
لا يخفى على أحد ما كان هناك.. الوضع كان خطرا للغاية، كان أصعب من أن يستوعبه أحد فى ظل مواجهات وحراك ثورى ومظاهرات فئوية فى كل مكان وأجهزة أمنية عاجزة عن مواجهة كل هذا الكم من الاحتجاجات فى ظل إدارة إخوانية عقمت عن إيجاد حلول لمشكلات وطن وشعب كامل لم يجد من يحنو عليه، حتى كانت ثورة 30 يونيو، والتى كانت بمثابة الخلاص لهذا الشعب من معاناته التى استمرت عامين كاملين.
لكن لا تأتى الرياح دائما بما تشتهى السفن، حيث تصاعدت احتجاجات جماعة الإخوان وأعتصموا فى رابعة والنهضة، واستدعوا أنصارهم فى الداخل والخارج، وكان خيارهم المواجهة مع الدولة والشعب، وسيناء كانت فى القلب من هذه المواجهة، حيث زحفت فلول الإرهاب والمتطرفين من أنصار جماعة الإخوان إلى هناك، واختاروا سيناء ساحة للمواجهة وتصفية الحساب مع الدولة فى هذه البقعة المباركة.
ومع تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى مقاليد الأمور لم يكن لديه رفاهية الاختيار، خياره الوحيد هو المواجهة وقد كان، وفوضته جموع الشعب المصرى فى مظاهرات حاشدة فيما عرف بجمعة التفويض، وخاضت القوات المسلحة والشرطة مواجهات ومعارك كانت أشبه بالملحمة للقضاء على هذه العناصر وتطهير سيناء منها وكانت أبرزها وأهمها العملية الشاملة التى بدأت فى فبراير 2018، حيث جاءت هذه المعارك تزامنا مع مسار آخر وهو مسار التنمية والبناء والذى كان بمثابة ملحمة أخرى لإعادة بناء الحجر والبشر.
وملحمة البناء والتنمية فى سيناء هى الاشرس والأصعب.. كل مظاهر التغيير هناك لاتخطئها عين، نهضة تنموية شاملة طالت الأرض والحجر وفى قلبهم ومن قبلهم البشر.
نعم عزيزى القارئ.. الارض وجغرافيتها ومعالهما خير شاهد على ما حدث هناك من تغيير على مدار 10 سنوات، قاد السيسى خلالها معركة من أشرس معارك التنمية والبناء التى تدور رحاها على أرض مصر شرقا وغربا وشمالا وجنوبا.
حقا.. تشهد الأرض التى ارتوت بدماء الشهداء فى 67 وفى 73 بما قدمه هذا الرجل لإحياءها بالتنمية والعمران ومد شرايين المياه والبناء إلى كل شبر فيها.. فالدماء يا سيدى قد تحرر أرضًا لكنها لا تروى ولا تنبت زرعًا.
تشهد الأرض التى امتزجت بدماء الشهداء من أبناء هذا الوطن خلال معارك تطهيرها من العناصر الإرهابية والخارجين على القانون الذين اتخذوا من أرضها وكرًا لهم، أنها مقبرة لكل من حاول تدنيس قدسيتها أو النيل منها ومن هويتها، وأنها جنة أبنائها وقبائلها وكل بنى هذا الوطن الذين جاءوا من كل ربوعه ليعمروها.
أبناء سيناء وقبائلها وأبناء الوطن جميعا سوف يشهدون أن السيسى انتصر لهم مرة أخرى ولكن هذه المرة انتصر لهم بالتنمية على أكثر من مسار فى آن واحد شملت تطهير وتعمير وبناء، كان أكثرها صعوبة والما مسار التطهير وما نتج عنه من تضحيات من دماء أبنائه إلى جانب تكلفة ذلك اقتصاديًا وسياسياً وعسكريًا على وطن منهك بعد تجربة ثورية كلفته كثيرا من امنه واستقراره فى جميع المجالات .
لا عجب فيما تقرأ، بعض من التدبر فيه، سوف تدرك حقًا ما أقول وأكتب وأشهد أيضًا، من حسن حظى أنى كنت شاهداً عيان لهذه المعارك والملاحم وشاهد أيضًا لانتصاراتها وانجازاتها خلال مراحل عملى منذ قرابة 14 عامًا، أعمل فيها محررًا عسكريًا منذ مطلع 2011 حتى الأن.
وشهادة لله وللوطن وللتاريخ ..السيسى حقا أنتصر فى سيناء وانتصر لسيناء .. الانتصار يا سيدى ليس فقط فى معارك الدبابات والمدرعات وقصف الطائرات ولنا فى العبور العظيم أكبر وأشرف الانتصارات،.. نصر السيسى هناك يا سيدى واقع نلمسه الان جسدته إرادة صلبة وعزم لا يلين على إقتلاع الإرهاب من جذوره، حيث تمضى الدولة المصرية بخطى متسارعة فى تنفيذ استراتيجيتها الوطنية لتنمية سيناء، والتى أطلقتها فى عام 2014، وذلك من خلال مسارات عدة ومتوازية تحقق الربط الجغرافى والتنموى بين سيناء والوادى والدلتا.
جهود الدولة فى سيناء يا سيدى خير شاهد على ما حققه السيسى على الأرض، وحرصه المستمرعلى المتابعة بنفسه وبشكل دوري، والتنبيه دوما على تعزيز جهود الإعمار وصولا لما عليه الأن من تطوير البنية التحتية وإنشاء شبكة طرق وأنفاق عملاقة، إلى جانب تنفيذ المشروعات القومية الزراعية والصناعية والخدمية والسياحية التى نجنى ثمارها الأن، عملا بالقاعدة التى ارساها منذ تولى المسئولية وعلى مدار عشر سنوات وهى «تعظيم قيمة المتاح»، وذلك من خلال الاستفادة من المقومات الطبيعية والتاريخية لسيناء ومدن القناة، لتحسين الظروف المعيشية لأهلها وسكانها والارتقاء بالمستوى الاجتماعى لهم.
المركز الاعلامى لمجلس الوزراء كان قد أصدر تقريرًا مؤخراً يرصد فيه بالأرقام الموقف التنفيذى للاستراتيجية الوطنية لتنمية سيناء بعد مرور ٩ سنوات على اطلاقها،.. بعيدا عن تفاصيل التقرير وصفحاته العامرة بكم المشروعات فى أرض الفيروز أستوقفنى من كم الارقام المذكورة رقم للمبلغ الاجمالى الذى تم انفاقه فى سيناء والذى تجاوز 700 مليار جنيه مصرى تم انفاقها لتعمير سيناء.
وتقرير التنمية البشرية الصادر عن الأمم المتحدة وما ادراك بتقاريرها يشهد بما تحقق فى سيناء ويشير إلى جهود الدولة فى إطلاق المشروعات الاستثمارية والصناعية لتنمية سيناء ومدن القناة، يكفى أن أقول لك أن التقرير يرصد الزيادة فى الاستثمارات العامة الموجهة لتنفيذ مشروعات فى سيناء أكثر من 15 ضعفا، بواقع 73.3 مليار جنيه فى موازنة 2023 مقابل 4.8 مليار جنيه عام 2014.
تقرير الأمم المتحدة يوثق عبر صفحاته ما تم من افتتاح 3 مراكز لخدمة المستثمرين بتكلفة 215.5 مليون جنيه لخدمة أكثر من عشرة آلاف وخمسماية شركة، فضلاً عن 332 فرصة استثمارية توجد على الخريطة الاستثمارية، علاوة على توافر 139 فرصة صناعية فى سيناء ومدن القناة، وكما قلت هذا قليل من كثير.
الأرقام لا تكذب ولا تتجمل أبدا ..هى حقائق يتم رصدها والتعامل معها وقد تكون أكثر إنصافا للرجل من أى شئ آخر، لايسعنى المجال هنا فى هذا المكان أن أذكر ولو نسبة صغيرة منها قد تحتاح إلى صفحات وصفحات لحصر كم المشروعات التى تم تنفيذها وكم المبالغ التى تم انفاقها وطبيعة ونوعية المشروعات فى كل المجالات وعلى كل المسارات، ربما جولة عبر الشبكة العنكبوتية لموقع المركز الاعلامى لمجلس الوزراء أو الصفحة الرسمية للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس وهم قليل من كثير لا مجال لذكره لصعوبة حصره إلى جانب التغطيات الإعلامية والصحفية لما تم فى سيناء كفيلة بأن تجعلك فى حالة من الانبهار مصحوبة بفخر واطمئنان بأن لهذه الأرض قائداً له درع وسيف.
هذا القائد لم يغفل فى معركته أن ينتصر للبشر مثلما انتصر للحجر فكان الاستثمار فى العنصر البشرى هو أداة انتصاره سعيا لدمج مختلف فئات المجتمع السيناوى فى عملية التنمية، لتصبح أرض الفيروز موطن جذب لأبنائها بعد أن كانت بيئة طرد، من خلال توفير فرص العمل والمشروعات وإتاحة كافة سبل الدعم والتيسير لتحفيز مناخ الاستثمار، وتوفير بيئة أعمال فعالة وتنافسية، أصبحت بها سيناء أحد الروافد الداعمة للاقتصاد الوطني.
ولكن من يقول ذلك ومن ينصف السيسي؟ ومن يقول انه لولا جرأة وجسارة الرجل ما تحقق شئ من ذلك كله ؟!.. من يقول أن الرجل غامر بشعبيته وحب الناس له؟ ولم يغامر بشعبه أو بثقة الناس فيه، ومن يقول أن الرجل لا ينام ويواصل ليله بنهاره ليحقق الإنجاز أشبه بالإعجاز ليتم حلم عقود وسنوات فى شهور معدودات.
الحقيقة أن من ينصف السيسى كثيرون أولهم الأرض.. التى يشهد كل شبر فيها بما فعله السيسى عليها ولها.. نعم كل شبر فى سيناء عزيزى القارئ طالته يد التعمير والبناء بعد عقود وعقود من الاهمال والنسيان قادر ان ينطق قائلا: «لقد مر السيسى من هنا»، ولا يختلف الكثيرون فى أن التاريخ لا يكتبه صانعوه.. ولو أنهم إنشغلوا بذلك ما صنعوا تاريخا يكتب ،وروايات التاريخ زاخرة وعامرة بذكر كثير من الابطال الذين أثروا صفحاته ،وتناقلها مؤرخون عظام وتوارثها جيل من بعده أجيال.
فى سيناء قد يختلف الأمر.. فالتاريخ هناك سيكتبه كثيرون سيكتبه أرضها وجبالها ووديانها وسمائها وأبناؤها.