أيام.. بل ساعات قليلة نودع بها الشهر الكريم.. ولا ندرى من سوف يلتقيه فى العام القادم.. لكن الشهر المبارك أبى إلا أن يترك فينا.. وبيننا بصمات خير.. ونفحات تعزز السكينة فى القلوب.. قلوب كل المصريين العامرة بالإيمان بالله.. الواحد الأحد.
بصمات ونفحات فى مجالات شتى محورها جميعا الإنسان المصرى.. أخلاقياته وسلوكه.. قيمه ونظم حياته.. اقتصاد بلاده.. ومسارها.. وثقلها بين الأمم.. وحتى استشراق المستقبل لأجيالنا القادمة.
ينقضى رمضان.. وقد أغرقتنا بعض الدراما فى بحور من العنف والدماء والثأر وعقوق الوالدين.. نشاهد إنتاجا يقلد أفلام الأكشن فى أسوأ صورها.. وينزع منها بالقصد أو بغير قصد الملمس الأخلاقى ليظل الشاهد يدور ويدور فى دوامات من العنف والعنف المضاد طوال الشهر الريم ثم يتفنن المخرجون «ذراً للرماد فى العيون» فيحيكون نهاية أخلاقية سعيدة فى أخر ثوانى المسلسل.
وتشاء إرادة الله – وسط هذا كله – أن يضىء رمضان المبارك «شمعة» من أخلاق وفضائل وقيم.. أرادها الله من شاب مصرى.. ملامحه من طين هذا الوطن.. بصوت رخيم يأتى من بعيد ولم أكن أنا من قالها.. فإن اللفتة الرائعة للرئيس عبدالفتاح السيسى تجاه «سامح حسين» وقطايفه.. ومداعبته «الأبوية» للفنان البسيط جدا.. والمتواضع جداً.. «فين القطايف يا حسين».. وإشادة رئاسية بمحتوى البرنامج خلال حفل إفطار القوات المسلحة.. إنما هو إرادة إلهية أن يعلى الله من شأن هذا الفنان المخلص المثابر وأن يعطى الدرس لآلاف آخرين «لعلهم يهتدون»
وينجح سامح حسين فى أن يفسد مقولة «الجمهور عاوز كده» ويضع مكانها أن الجمهور إذا وجد رسالة أخلاقية جادة يصوغها عقل متفتح بأسلوب بسيط ومبسط وأداء لا اصطناع فيه ولا مظهرية ولا افتعال ولا نرجسية.. يتحقق النجاح وجاءت لفتة الرئيس عبدالفتاح السيسى دعما لكل فنان مبدع ولكل إنتاج فنى هادف لا يخلو من الترفيه، والجاذبية والجمال فقد قدم سامح حسين فنا راقيا متميزاً.. نموذجا أمام الأجيال الجديدة.. فإن العرى والعنف والبلطجة والتقاتل والمقالب ليست الطريق الأمثل إلى الشهرة.. ولكم فى سامح حسين القدوة والمثل يودعنا رمضان هذا العام وقد ترك فى وجداننا بصمة «حب لآل البيت».. فقد شاءت إرادة الله أن أكون فى زيارة مسجد السيدة نفيسة ضمن وفد من نقابة الصحفيين وشاهدنا كيف يسابق الحرفيون والصناع الزمن لكى يعيدوا القوة والجمال إلى مسجد «نفيسة العلم» حفيدة رسول الله صلى الله عليه وسلم.. تحت إشراف الهيئة الهندسية للقوات المسلحة المصرية.. لم تترك فيه ملليمترا واحدا دون تحديث وتطوير.. من المقام الخالد للسيدة نفيسة الذى أقيم فى بيت إقامتها عندما انطلقت إلى المحروسة أم الدنيا.. فلما توفاها الله.. دفنت فى بيتها.. وظهر للعالم كله مسجد السيدة نفيسة.. وجاء تطوير المسجد ضمن خطة مصرية شاملة لصون التراث الإسلامى والحفاظ عليه.. وجاء افتتاح الرئيس عبدالفتاح السيسى لهذا الترميم والتطوير ليعطى للعالم أجمع.. أن مصر رغم كل ما يحيطها من تحديات دولية وإقليمية وصراعات وحروب ودماء ورغم ظروفها الاقتصادية الصعبة إلا أن مصر السيسى والجمهورية الجديدة تضع الحفاظ على الهوية المصرية جوهر سياستها.. وأن حب آل بيت رسول الله فى القلوب عميق الجذور.
يودعنا رمضان.. وقد زارت حقائب الخير.. وشنط رمضان المبارك ما يقترب من 10 ملايين بيت من بيوت المصريين جهات رسمية.. وهيئات عمومية.. وجمعيات أهلية.. وأفراد موسرون نذروا الله جانبا من أرزاقهم.. وتاجروا مع الله.. فكانت هذه الصورة العظيمة الشامخة لموائد رمضان الحافلة وموائد الرحمن على الطرقات وفى الميادين وفى الطرق الرئيسية السريعة.. وركاب الأقاليم حتى فى القطارات وسيارات الميكروباص والأتوبيسات جميعهم نالوا إفطاراً من فضل الله.. وكرم كل المصريين وتتجلى عظمة مصر والمصريين فى نسيج وطنى قوى متماسك يجسده إخوة مسيحيون يحملون الوجبات المطهوة الجاهزة لجيرانهم المسلمين وبعضهم بردائه الأسود الكهنوتى يقف على الطرق والطرقات يوزع من خيرات الله.. وإنتاج أرض أم الدنيا على الصائمين.. وهذا المطبخ الرمضانى الذى انتشرت «بوكساته» بامتداد قرى مصر تحت مسمى «مطبخ الخير» يتلاحم فيه الشباب والشيوخ فى سباق إلى المولى عز وجل بأطيب الأعمال وأجمل المأكولات.
لا يريد رمضان المبارك أن يودعنا دون أن يزرع فى قلوبنا الأمل.. والثقة واليقين بأن «بكرة.. أفضل كثيرا من النهارده» وأن مصر تسير فى الاتجاه الصحيح وأن مصر تمتلك بالفعل اقتصاداً قوياً ومتنوعاً.. قادرا على امتصاص الصدمات وتحقيق معدلات نموا إيجابية.
وقبل أن أتطرق إلى الشهادات الدولية من وكالات التصنيف الدولية المحايدة وصندوق النقد الدولى والبنك الدولى وغيرها فإنى أتوقف أمام ما أعلنه الرئيس عبدالفتاح السيسى خلال حفل إفطار القوات المسلحة مؤكداً أن الاقتصاد المصرى يشهد مؤشرات إيجابية.. مشيرا إلى موافقة صندوق النقد الدولى مؤخرا على صرف شريحة جديدة من القرض لمصر مما يؤكد الثقة الدولية فى الاقتصاد الوطنى.. وما عرضه أيضا الدكتور مصطفى مدبولى رئيس الوزراء مشيراً إلى إتمام المراجعة الرابعة لصندوق النقد الدولى واتجاه «التضخم» نحو الانخفاض وارتفاع الاحتياجات من النقد الاجنبى فى البنك المركزى المصرى وعوائد الصادرات والسياحة والاستثمارات فى المنطقة الاقتصادية لقناة السويس.
ونحن نودع الشهر الكريم.. ندعو الله عز وجل لمصر الوطن والشعب ولاجيش والقيادة بالأمن والامان والصحة والسلام.. وان يعيد الله الشهر الكريم وقد عادت القدس إلى اهلها الاصليين من الفلسطينيين المثابرين وان يدحر المولى عز وجل قوى البغى والعدوان والتجويع والابادة والتجريف وان يوحد كلمة العرب والمسلمين.. وان تبقى مصر بنسيجها الوطنى والانسانى واحة للامن والامان وقائدة للعلام إلى قيم الخير والتسامح والحب و السلام.. وتحيا مصر والمصريون.