رغم تداعيات الأزمات والصراعات الإقليمية والدولية وأثارها وظلالها القاسية على الأوضاع الاقتصادية خاصة الشعوب، فى ظل ارتفاع الأسعار والتضخم، وهى ظروف فرضت على الجميع بأشكال مختلفة ومتعددة إلا أن مصر أظهرت قدرة على تحمل هذه الصدمات والتداعيات، وثبات فى التعامل الصحيح مع التغيرات الحادة، وان كانت الظروف الإقليمية والدولية أثرت بشكل واضح وأكثر على مصر بسبب ما يحاك ضدها من محاولات خنق وحصار اقتصادى بسبب مواقفها السياسية وثوابتها الشريفة فى رفض الظلم، أو الاستجابة لمطالب ومخططات قوى الشر التى تسعى إلى وأد وتصفية القضية الفلسطينية، وتهجير الشعب الفلسطينى من قطاع غزة والضفة الغربية من أجل تحقيق أوهام التوطين فى مصر والاردن.. مصر لم تصمت ولم تسكت وأعلنت بشكل واضح وحاسم أنها ترفض تصفية القضية وتهجير الفلسطينيين، بشكل عام أو بشكل خاص على حساب الأمن القومى المصرى، وبعد المجاهرة بالمخطط وخروجه من دهاليز السرية والغرف المغلقة، وعرض التفاصيل المتناثرة غير المنطقية أو الأخلاقية عن تهجير الفلسطينيين تصدت مصر أيضا بشكل واضح وقالت أنها ترفض هذا المخطط، وأنه ظلم لن تشارك فيه وعرضت خطة إعادة إعمار غزة وفحواها إعمار بدون حاجة إلى التهجير، ووقفت فى وجه المخطط، ولاقت رؤيتها وخطتها تأييدًا عربيًا ودوليًا كبيرًا، لذلك فإن هناك ثمنًا لابد أن تدفعه مصر الشريفة لكن ذلك لن يؤثر على الاطلاق على موقفها وقرارها، وما أريد أن أقوله إن مصر تخوض حرب وجود لها تداعياتها، ووسائلها فى شكل محاولات للتركيع والابتزاز بأشكال كثيرة من الضغوط والحصار والخنق الاقتصادى، لكن الأمر الذى يدعونا للفخر والاطمئنان هو نجاح الدولة المصرية فى مقاومة هذه الظروف، وتحقيق انجازات مهمة، رغم وطأة التداعيات ولعل التأثيرات السلبية على عوائد وموارد قناة السويس بسبب العدوان الإسرائيلى على غزة واضطرابات البحر الأحمر أدى إلى فقدان مصر 7 مليارات دولار وهو رقم كبير يصنع الفارق الاقتصادى فى مسيرة الدولة وينعكس على أحوال الشعب، لكن بالأرقام والأخبار والمؤشرات هناك نجاحات ومؤشرات تدعونا للتفاؤل أبرزها ما تحدث عنه الدكتور مصطفى مدبولى رئيس الوزراء أنه لأول مرة يحدث تعادل قيمة الإيرادات مع قيمة المصروفات والاحتياجات أى أن مواردنا من العملات الصعبة تغطى احتياجاتنا دون وجود عجز كل ذلك رغم الظروف السياسية والأمنية الصعبة التى تعيشها المنطقة ورغم التداعيات على مواردنا من العملات الصعبة إلا أن تحقيق هذا التعادل هو انجاز كبير لم يحدث من قبل و هو ما يعنى أيضا مرونة الاقتصاد وقدرته على مواجهة الصدمات ربما اعتقد البعض أن فقدان مصر لـ٧ مليارات دولار من عوائد قناة السويس سوف يتسبب فى عجز واختلال بين الإيرادات والمصروفات بالعملات الصعبة، لكن ذلك لم يحدث بسبب تنوع وتعدد مصادر تدفق العملات الصعبة، وهو ما تحدثنا عنه من قبل أن رؤية الرئيس عبدالفتاح السيسى فى تجاوز اشكالية محدودية الموارد المصرية بشكل عام، ومن العملات الأجنبية بشكل خاص، فما حدث خلال أكثر من 10 سنوات أدى إلى النجاح فى حل هذه الاشكالية، وبعد أن باتت مصر بلد الفرص الواعدة، ارتفعت الاستثمارات كما ان حالة الأمن و الاستقرار وكذلك حسن القرار خاصة بعد تحرير سعر الصرف فى مارس من العام الماضى أدى إلى استعادة تحويلات المصريين فى الخارج إلى معدلاتها الطبيعية فقد انخفضت فى عام 2023 إلى 19.5 مليار دولار ارتفعت بعد قرار تحرير سعر الصرف إلى 29.9 مليار دولار ومع هذا الانجاز هناك أيضا ارتفاع فى الاحتياطى من النقد الأجنبى ليصل إلى رقم غير مسبوق وهو 47.4 مليار دولار كل ذلك يتزامن مع توافر كافة احتياجات المصريين من السلع الأساسية دون وجود عجز أو نقص، رغم ارتفاع معدلات الاستهلاك خلال شهر رمضان الكريم وتوفر الاحتياجات السلعية والبترولية فى ظل تداعيات الأزمات والصراعات الإقليمية والدولية ورغم زيادة الطلب ورغم وجود أكثر من 9 ملايين لاجىء يعيشون فى مصر ومع شعبها وتعتبرهم مصر ضيوفها ويحظون بنفس الخدمات وتوفر الاحتياجات مثل المواطن المصرى.. وبالتالى فهذا نجاح يحسب للدولة المصرية وأيضا هناك تراجع فى أسعار بعض السلع.
أيضا هناك مصدر جديد للدخل من العملات الصعبة وهو ارتفاع الصادرات الزراعية إلى 10.8 مليار دولار و هذا يعود إلى النهضة الزراعية التى تعيشها مصر بفضل رؤية الرئيس السيسى الذى حارب التعديات على الرقعة الزراعية واعتبرها قضية أمن قومى ليس هذا فحسب بل أضاف إلى الرقعة الزراعية أكثر من 4 ملايين فدان ونعرف جيدًا المشروعات الزراعية العملاقة التى صنعت الفارق وغزت الصحراء مثل إحياء مشروع توشكى العملاق الذى لم يكن يزيد على 17 ألف فدان، وصل إلى 450 ألف فدان، وهناك توسع بعد حل المعوقات التى وقفت أمام نجاح المشروع فى العقود الماضية ثم مشروع مستقبل مصر، والدلتا الجديدة وسيناء والصعيد والوادى الجديد ومشروع المليون ونصف المليون فدان وتنفذ هذه المشروعات بأساليب علمية وعصرية، وتوفير المياه من خلال المعالجة الثلاثية لمياه الصرف الزراعى بالإضافة إلى التوسع الأفقى والرأسى وزيادة انتاجية الفدان وتطبيق الابحاث العلمية فى مجال الزراعة ونظم الرى الحديث لتصدر مصر بـ10.8 مليار دولار مع توفير احتياجات شعبها وضيوفها من المنتجات الزراعية.
أخبار كثيرة تدعو للتفاؤل والثقة فى أن القادم أفضل رغم المحن والشدائد والأزمات التى فرضت علينا، والسؤال المهم والذى طرحناه كثيرًا خلال السنوات الأخيرة، ماذا لو لم تمتلك مصر ــ السيسى الرؤية والإرادة لتنفيذ أكبر ملحمة للبناء والتنمية؟ هل كانت مصر تصمد أمام طوفان الأزمات والصراعات الإقليمية والدولية؟ وما تشهده المنطقة من متغيرات حادة؟ لها آثارها وتداعياتها الاقتصادية خاصة وأن مصر قبل السيسى كانت مثقلة بالأزمات والمشاكل المتراكمة، ثم تداعيات الفوضى فى يناير 2011 وما خلفه الإرهاب الإخوانى ثم جائحة كورونا وبعدها الحرب الروسية ــ الاوكرانية والعدوان الإسرائيلى على غزة وتوسع رقعة الصراع على جبهات أخرى إيران ولبنان و اليمن ورغم ذلك صمدت مصر واقتصادها وتحمل الشعب بوعى وفهم واصطفاف هذه التداعيات، ومحاولات خنق وحصار الاقتصاد المصرى، لكن الرؤية الشاملة اجهضت كل ذلك لتصل إلى مرحلة التعافى، ثم الانطلاق فى القريب خاصة مع استعادة الاستقرار فى المنطقة وانتهاء الحرب الروسية ــ الاوكرانية حقًا بالعمل والجهد و الرؤى تتحول المحن والشدائد إلى نجاحات ومنح.