مرت علينا وبنا ذكرى يوم بدر ذلك اليوم الذى أسس لدولة وليدة للعرب منذ أن كانوالأول مرة تدين بوحدانية الله النسب فيها للعقيدة لا للون أو الجنس أو العرق يتساوى فيها الناس لا فرق فيها بين غنى أو فقير ولا بين أبيض أو أسود ويتحسب حسابها جيرانها فى ذلك الوقت، فمنهم من يسعى لاختبارها والتأكد من قوتها التى أظهرتها فى حربها الأولى ومنهم من يسعى للقضاء عليها قبل تنامى قوتها فيمد خطوط التعاون والتآمر مع القرشيين فى مكة يحفزهم على الثأر والانتقام، ومنهم من يتجنب هذا وذاك ويسعى للتعايش فى سلم وسلام مع هذه القوة الوليدة.
نعم لقد فاجأ نصر القوة الوليده كل الأطراف بدءًا بالاعداء الذين سول لهم غرورهم القضاء المبرم على الرسول «صلى الله عليه وسلم» بعملية هجومية يتسامع بها العرب كما قال أبو جهل ويتفاخر بها القرشيون.
فبعد أن نجا أبوسفيان وقافلته من أيدى المسلمين وعلم القرشيون الذين سطوا على أموال المسلمين فى مكة أن رجلهم أبوسفيان نجا هو ومن معه رفض «أبوجهل أن يعود إلا بعد تأديب من فكر فى التعرض لهم.فكانت الهزيمة النكراء له ولقومه والتى تسامع بها العرب أيضا فى حادثة أدهشت الجميع.
فكيف يفوز 300 رجل بلا سلاح كاف على 1000 رجل فى عدة وعتاد واستعدادا كامل..؟!
كان هذا السؤال الذى حاول العرب الإجابة عليه، وهو السؤال التى كانت إجابته بالنسبة للمسلمين شفاء ورحمة وزيادة فى الإيمان وقوة فى العقيدة ويقينا بصدق الوعد.
أما بالنسبة لغير المسلمين فقد أدركوا أن الامر ليس كما يقول القرشيون على الرجل الذى خرج منهم يدعو الى الواحد الأحد وإنما تأييد من السماء بدليل هذه المعجزة الحربية، بل أن القرشيين أنفسهم شهدوا فى المعركة جنوداً لا عهد لهم بهم وهم الملائكة. كما وجدوا من المسلمين إيماناً أثبت من الجبال الرواسى يؤكده ما قال أحدهم لأبيه وكان الابن مشركا وأبوه مسلماً فقال الابن: لقد رأيتك فى بدر فتجنبت قتلك فقال له أبوه: لو رأيتك لقتلتك.
ذهب المسلمون الى المعركة ينصرون الله ورسوله «صلى الله عليه وسلم»، لكن المشركون ذهبوا بغرورهم يستعرضون قوتهم على قوم ضعفاء لاقبل لهم بعددهم ولا بإمكاناتهم العسكرية. قاتل المسلمون معركة بقاء أو موت لكن المشركين قاتلوا قتال البغى على ضعفاء. حلم المسلمون فى معركتهم بالجنة ونعيمها والشهادة فى سبيل ما آمنوا به ،لكن المشركين حلموا بالغنائم والفخر على العرب بما أنجزوه من غلبة.لجأ المسلمون الى الله سائلين النصر والعون وهو ما بدا فى مناجاة الرسول «صلى الله عليه وسلم» ربه: «اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِى مَا وَعَدْتَنِى اللَّهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِى اللَّهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلامِ لَا تُعْبَدْ فِى الْأَرْضِ. فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ وَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وجل:إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّى مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ».. كان عون الله مكافأة لمن صدقوا الله ما وعدوه.
إذن فمعركة بدر درس فى الثبات والتفانى فى الدفاع عن العقيدة والارض ونبراسا للمسلمين على مدى الزمن فى مواجهة أعدائهم يأخذون منها العبر ويلتزمون بدروسها.