اعتاد اليهود على مر التاريخ على التزييف والتزوير، يقلبون الحقائق ببراعة شديدة، يقدمون البهتان بإتقان، يجيدون فن الإقناع عندما يرتدون أثواب المسكنة، يسترجعون المظلوميات التاريخية المزعومة ويقدمونها مجموعة كأنها تحدث لهم وتتكرر كل يوم، يتاجرون بكل ما تعرضوا له من أحداث، وفى نفس الوقت ينكرون ما اقترفته أيديهم من آثام وجرائم وحشية، وتسببهم فى إشعال معظم الحروب التى وقعت على الكوكب.
المظلومية التاريخية تلازم اليهود ويستثمرونها فى استدرار عطف العالم لمجرد أن يتعرض يهودى لشكة شوكة، لكن ما يقومون به من قتل وإبادة ودمار يصدرونه على أنه دفاع عن النفس، بل يصف هذا المجرم النتن ياهو العرب بأنهم متوحشون، بينما يصف الدمويين الصهاينة بأنهم متحضرون، وبكل أسف تذهب الدنيا إلى تصديق هذا الزيف والبهتان، والعالم يغمض عينيه ويغض الطرف عن الحقائق.
لعل ما حدث فى مباراة كرة القدم من اشتباكات فى العاصمة الهولندية أمستردام، يقدم لنا ترجمة لتعامل العالم مع العرب واليهود، والكيل بمئة بل بألف مكيال، فقد أكد شهود عيان ومقاطع فيديو توثق الأحداث أن المشجعين الإسرائيليين هم الذين بدأوا بالتصرفات الاستفزازية بتمزيق أعلام فلسطينية كانت مرفوعة على واجهات منازل التى يقطنها مغاربة مقيمون فى المدينة، ويرددون شعارات بالعبرية وهتافات معادية «اقضوا على العرب.. سننتصر»، ولم تتدخل الشرطة الهولندية لمواجهتهم.
العالم كله، ترك الفعل والجريمة والمجرم، واتجه إلى إدانة الـ»ضحايا»، المعتدى عليهم، بل وبالغ فى رد الفعل، وعلى سبيل المثال، قال مسؤولون هولنديون إن المشجعين الإسرائيليين تعرضوا لسلسلة من الاعتداءات، ووصفت رئيسة بلدية أمستردام، فيمكى هالسيما، ما حدث بـ»انفجار معاداة السامية».
ووصف رئيس الوزراء الهولندي، ديك شوف، الأحداث أيضا بأنها «معادية للسامية»، كما وصفها رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بأنها «حوادث خطيرة وعنيفة ضد الإسرائيليين»، ووصف الرئيس الإسرائيلي، إسحاق هيرتزوغ الاعتداءات بـ»مذبحة» ضد مشجعى نادى مكابى والإسرائيليين.
وتحدث السياسى الهولندى المناهض للإسلام، جيرت فيلدرز، زعيم أكبر حزب فى البرلمان عن «مذبحة»، قائلا: «ستتحمل السلطات مسؤولية إخفاقها فى حماية الإسرائيليين».
وقالت ديبورا ليبستادت، المبعوثة الخاصة للولايات المتحدة بشأن معاداة السامية، إنها شعرت بفزع إزاء الاعتداءات فى أمستردام، وأنها «تذكرنا بشكل رهيب بمذبحة كلاسيكية»، وأعربت عن انزعاجها الشديد من طول مدة استمرارها، وأشارت إلى أن العنف وقع قبل يومين من الذكرى السنوية للمذبحة النازية ضد اليهود فى ألمانيا.
وأعربت الأمم المتحدة عن قلقها إزاء الأحداث، وقال الناطق باسم مكتب حقوق الإنسان، جيريمى لورانس: «اطلعنا على هذه التقارير المثيرة للقلق، يجب ألا يتعرض أحد للتمييز أو العنف على أساس أصله القومى أو الدينى أو العرقي، أو أى أساس آخر».
وأعرب السفير الأميركى لدى إسرائيل، جاك لو، عن غضبه واستيائه، وقال فى تدوينة على منصة إكس: «إننا ندين الهجمات المروعة ضد الإسرائيليين فى أمستردام، ونحن نقف إلى جانب رئيس الوزراء الهولندى وإسرائيل وكل من يدين العنف المعادى للسامية».
وبدورها، أعربت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، عن غضبها من «الهجمات الدنيئة التى تستهدف المواطنين الإسرائيليين فى أمستردام»، وكتب رئيس المجلس الأوروبي، شارل ميشيل، عبر إكس «يجب رفض أعمال العنف والكراهية بشكل لا لبس فيه فى أى مجتمع، لا يزال التزامنا بمكافحة معاداة السامية وكل شكل من أشكال الكراهية ثابتا».
وأما الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، فاعتبر فى تدونية أن العنف ضد مشجعى كرة القدم الإسرائيليين فى أمستردام يذكرنا بأحلك ساعات التاريخ».
ومع أننى أرفض كل تلك الأوصاف والآراء جملة وتفصيلا، فقد ذكرتها كى أبرهن على الانحراف فى المواقف، بعدما تجاهل كل هؤلاء وغيرهم حقيقة أحداث الشغب، واتجهوا إلى نصرة الظالم، وأدانوا المظلوم،إنها البجاحة فى فن النياحة!.