لا تشرب الدواء… الدواء فيه سم قاتل!” هذه العبارة الشهيرة التي حفظتها الجماهير مع مشاهدة فيلم “حياة أو موت” عام 1954، إخراج كمال الشيخ. ومنذ هذا التحذير الذي أطلقه الفيلم، ونحن في عالمنا العربي نشرب هذا الدواء ومعه السم القاتل، ويكتب لنا الله السلامة، لكننا لا نتوقف عن نزع غطاء الخطر الداهم.
جاءت الأحداث الأخيرة للحرب في الشرق الأوسط، لكن هناك من نازعه الحنين إلى تجربة الدواء ومعه السم القاتل، دون الإصغاء إلى كل العقلاء، وهم للأسف قلة نادرة، راحت تصرخ في فضاء وسائل الإعلام الشاسع ووسائط العالم الافتراضي: “ألا تنساقوا يا ناسنا بين مؤيد ومعارض لمجريات الأحداث دون أن تدركوا أبعاد الخطر المتسارع والمحدق بكم”.
ومن رمزية نزع غطاء زجاجة الدواء أو السم القاتل وتناوله، ننتقل إلى فتح صندوق “باندورا” أو صاحبة العطايا والهدايا في الأساطير اليونانية القديمة. وهو صندوق حملته “باندورا” يتضمن كل شرور البشرية من جشع وغرور وظلم وكذب وحسد ووهن ووقاحة، بالإضافة إلى الأمل والرجاء.
لكن من هي “باندورا”؟ تقول الأسطورة إنه بعد سرقة “بروميثيوس” للنار ومنحها للبشر، جاءت عقوبة “زيوس” بأن أوجد “باندورا” ليهديها صندوقًا، وأمرها ألا تفتحه. لكنها فتحت الصندوق، وخرجت كل شرور البشرية منه، ثم أسرعت لإغلاق الصندوق أو الجرة بالمعنى اليوناني القديم، ليخرج في النهاية ضوء ساطع يمثل الأمل، غير أن وجوده في هذا الصندوق البشع يدلل على أنه أمل زائف وإن بدا ساطعًا.
في عالمنا العربي، وفي منطقة الشرق الأوسط، تحمل بعض القوى صندوق “باندورا” الذي أهدتها إياه قوى عظمى. أعلنت تلك القوى العظمى على مرأى من العالم أنها بريئة براءة الذئب من دم ابن يعقوب، وأنها تستهدف الخير كل الخير بإهداء الصندوق، وأنها تضع عبء مسؤولية فتحه على عاتق بعض القوى بالمنطقة التي يدفعها فضولها النهم وجشعها إلى امتلاك ما بداخله وتجربته. وهكذا وجدت غزة، ثم سوريا، ومن بعدهما إيران.
يظل المغزى الكامن وراء قصة الصندوق هو معنى الإغراء الذي يقع البشر أسرى معرفة طبيعته وتجربته، ومن ثم التعامل مع كل محتواه مهما بلغت درجة الشر الكامن فيه. إننا فضوليون تجاه كل ما عدا ذاتنا، وجاهزون للوقوع في شباك غواية التجربة والممارسة، أيًا كانت عواقب أفعالها.
وما حدث، ويحدث، وسوف يحدث في منطقتنا – الشرق الأوسط – دون مناطق كثيرة في العالم، يوجز تجربة شرور الصراع مع الآخر خارج وداخل الحدود؛ للكشف عن إمكانية معرفة رد الفعل، ومن ثم الاستقواء، وأخيرًا السيطرة. لينفجر فضولنا النهم في وجوهنا حيث لا تعود ملامحنا كما كانت من قبل. ويظل الأخطر دائمًا ليس التقسيم والتفكيك فحسب، بل ألا نتعرف على وجوهنا بعد التجربة، ألا نعرف من نحن؟ ومن هم؟
“ونضيع وسط التيه الذي بدأ يفترش طريقنا منذ سنوات طوال”. ويعبر المبدع صلاح جاهين عن حالنا الآن فيكتب: “آدي اللي كان وآدي القدر وآدي المصير نودع الماضي وحلمه الكبير، نودع الأفراح.. نودع الأشباح راح اللى راح معدشي فاضل كتير”.