لا تستطيع دولة مهما كانت قوتها العسكرية والاقتصادية أن تستعدى العالم، لأنها فى النهاية تعيش فى فلك يحلق فيه الجميع وفق المصالح المشتركة.. ولا اعتقد ان النظام فى تلك الدولة يسمح بالانجرار فى مشاكل هى فى غنى عنها خاصة وان قرارات رئيس تلك الدولة غير قابلة للتنفيذ فى الغالبية، والمثل يقول إذا أردت أن تطاع فأمر بالمستطاع.. والمؤكد أن القوى الاخرى أو حتى التى شملت قراراته لن تقف مكتوفة الايدى طالما تمس السيادة لتلك الدول أو تهدد الامن الدولى.
صراحة.. لا يعقل أن توافق كندا على انضمامها إلى الولايات المتحدة الامريكية وتصبح الولاية الـ 51 مهما كان تعداد سكانها على أرض هى أكبر مساحة من أمريكا نفسها، ولن تسمح دولة بنما بالتفريط فى القناة التى شقتها لتكون ممراً مائياً دولياً الكل له الحق فى المرور وفق الاتفاقيات الدولية برسوم معلومة لدى الجميع، حتى ولو دخلت فى حرب مع أعتى دول العالم، ولا اعتقد ان توافق الدنمارك على التفريط فى سيادتها على جزيرة جرينلاد حتى ولو بالايجار التى تمتد على مساحة اكثر من مليونى كيلو متر وتكاد تخلو من السكان لوقوع اغلب اراضيها فى القطب الشمالى شبه المتجمد، والمؤكد أنه لن توافق مصر والاردن وهذا هو مربط الفرس فى تهجير الفلسطينيين والعيش فيهما ارضاء لاسرائيل التى هى فى الاصل الدخيل على الارض التى اغتصبتها بالقوة بتشجيع من انجلترا ممثلة فى وعد بلفور وبعدها واشنطن بعدما غابت الشمس عن الامبراطورية البريطانية العظمى.
الحقيقة.. ما فعله المصريون والوقفة الشعبية أمام معبر رفح.. رسالة اربكت حسابات إسرائيل وفجرت بالونات الاختبار التى صنعتها واهماً بأنها لعبة ستنطلى سواء على المصريين أو الأردنيين ولا حتى على الشعب الفلسطينى الذى رفض التهجير وتحمل العدوان الغاشم فى غزة لأكثر من 15 شهراً ذاق فيها الفلسطينيون المرار والقتل الجماعى والتدمير الذى فاق ما حدث بألمانيا النازية فى الحرب العالمية الثانية، لأن الاحتلال مارس سياسة الارض المحروقة الامر الذى معه تستحيل الحياة، وبعد كل هذا هل بجرة قلم يوافق الفلسطينيون اصحاب الأرض على التهجير لمصر والاردن.
اصطفاف الشعب المصرى بكافة اطيافه واحزابه خلف الرئيس السيسى قبل اسبوع يؤكد الوعى لدى المصريين وكذلك رسالة اعتقد استوعبها الرئيس ترامب جيداً بدليل اتصاله فوراً هاتفياً بالرئيس السيسى والاتفاق على تبادل الزيارات فى القاهرة وواشنطن، لادراكه بأن مصر دولة محورية واستراتيجية خاضت حروباً عديدة مع الاحتلال بدءاً من 1948 وحتى نصر اكتوبر عام 1973 حتى تم استرداد سيناء بكامل ترابها مضحية بالغالى والنفيس من اجل قطعة ارض غالية علينا جميعاً ولا يمكن التفريط فيها ولا حتى ادخال فلسطينى واحد إلا إذا كان زائراً للعلاج بمستشفيات العريش ورفح وغيرها من المستشفيات كواجب وطنى عروبى اما غير ذلك فلا وألف لا.. سيناء أرض مصرية مروية بدماء شهداء من جنودنا البواسل وستظل ابد الدهر.
الوقفة الشعبية امام معبر رفح ابلغ رسالة طمأنة للداخل المصرى وللخارج والتى ثمنها الفلسطينيون أنفسهم لان مصر لها ثوابت تاريخية تؤكد دور مصر التاريخى والكم الهائل من العطاء الذى بذلته للشعب الفلسطينى الدليل أن مصر كان لها الدور الرئيسى فى التوصل إلى اتفاق لوقف الحرب المدمرة وتبادل الاسرى ليس هذا فحسب وإنما عقدت اجتماعاً لوزراء الخارجية العرب فى القاهرة قبل ايام واصدر المشاركون بيانا اشادوا فيه بدور مصر وقطر وامريكا مع التطلع للعمل مع الرئيس الامريكى لتحقيق السلام العادل والشامل فى الشرق الاوسط وفقاً لحل الدولتين الذى فيه حل المشكلة بالتوافق السلمى بين طرفى الصراع، بالإضافة إلى ضرورة تنفيذ بقية بنود الاتفاق واستمرار الدعم الانسانى إلى غزة وتمكين السلطة الفلسطينية من العودة واستمرار قيام وكالة الاونروا فى تقديم المساعدات، وكذلك تضافر لجهود الدولية لاعادة اعمار غزة فى اسرع وقت.
اجمل الشعارات التى رفعها المشاركون فى الوقفة امام معبر رفح هو «بالطول بالعرض مش هنسيب الأرض ولا للتهجير» وافضل ما قاله بعض المعلقين والمغردين على التواصل الاجتماعى «مصر ليست بوابة للتهجير» و«خطة التهجير قد لا تكون بحاجة إلى موافقة مصر والاردن وانما هى بالون اختبار لما قد يحدث مستقبلا» .
يقينى ان ما حدث حول مخطط التهجير سرعان ما ينتهى بإرادة الشعوب الرافضة لأى قرارات غير مدروسة خاصة مصيرية كالتى تخص فلسطين والدول المجاورة لها، واعتقد انه بالسياسة الحكيمة والرشيدة للقيادة السياسية برئاسة الرئيس السيسى سيتم تجاوز تلك القرارات بالجلوس والتوافق فى الرؤى لأن مصر محبة للسلام دوماً وستظل الراعية لحقوق الشعب الفلسطينى والتاريخ يشهد على ذلك.