يتباهى الرئيس الأمريكى فى كل مناسبة- ودون مناسبة- بقوة أمريكا العسكرية، ولا يترك فرصة إلا ويهدد باستخدام هذه القوة ضد كل من لا ينحنى أمام الرغبات الاستعمارية الجشعة لاستغلال ثروات العالم.
يبدو أن أمريكا قد ضعفت ذاكرتها، ولا تعلم أن التاريخ لا ينسي.. فإذا استعرضنا المغامرات والغزوات العسكرية التى قامت بها فى التاريخ الحديث، نجد أنها جميعها قد باءت بالفشل، وخرجت منها أمريكا بخسائر فادحة فى الأرواح والعتاد، دون أن تحقق أى هدف من الأهداف التى خاضت من أجلها هذه المغامرات.
كانت البداية فى الحرب العالمية الثانية، عندما دمرت اليابان الأسطول الأمريكى فى بيرل هاربر بهاواى بالكامل، وقتلت 2400 من الجنود الأمريكيين.. وردت أمريكا بأبشع عمل عسكرى فى التاريخ، إذ ألقت قنبلتين نوويتين على هيروشيما وناجازاكى فى أغسطس 1945، مما أسفر عن مقتل 2.5 مليون عسكرى ومدنى ياباني، وتدمير المدينتين تماما.
المغامرة الثانية كانت فى فيتنام، من عام 1955 وحتى 1975 عشرون عاما من القتال لمنع انتشار الفكر الاشتراكى إلى جنوب فيتنام، وهو ما لم يتحقق.. مات فيها نحو 60 ألف جندى أمريكي، وجرح مئات الآلاف، وأصيب الكثير منهم باضطرابات نفسية.. بلغت تكلفة الحرب مئات المليارات من الدولارات، كما قتل مليونا مواطن فيتنامي، إضافة إلى مليون جندي.. انهزم الجيش الأمريكى عام 1975، وتوحدت فيتنام تحت الحكم الاشتراكي، وتظاهر الشعب الأمريكى معبراً عن استيائه الشديد، مما أدى إلى تعديل بعض التشريعات المتعلقة بقرار الحرب.
أما مبادرة «استعادة الأمل» فى الصومال عام 1992، فقد فشلت فشلاً مهيناً.. أرسلت أمريكا قواتها إلى الصومال بذريعة إيقاف الحرب الأهلية وحماية منظمات الإغاثة، لكنها تدخلت فى الشئون الداخلية، واعتقلت العديد من القيادات الصومالية.. وأثناء محاولة القبض على أحدهم فى مقديشو عام 1993، أسقط الصوماليون طائرتين مروحيتين، وقتلوا 18 جندياً أمريكياً، ومثلوا بجثثهم، وأصيب 70 آخرون.. وقد عرضت هذه المشاهد على التليفزيون الأمريكي، ما أثار استياء الشعب، فأُمرت القوات بالانسحاب عام 1994، دون تحقيق أى من أهدافها.
وفى أكتوبر 2001، استهدفت أمريكا أفغانستان، عقابا لحركة طالبان على عدم تسليم بن لادن، وبحجة تصفية الحركة والقضاء على قيادات القاعدة.. وبالطبع، تطورت الأهداف إلى السيطرة والهيمنة.. وبعد عشرين عاما، ومقتل 2400 جندى أمريكي، وتكلفة بلغت تريليونى دولار، انسحبت أمريكا بلا مكاسب، وعادت طالبان إلى السلطة، وعادت أفغانستان مئة عام إلى الوراء.
أما جورج بوش، فقد ترك بصماته العنصرية فى العراق، أوهم شعبه والعالم بامتلاك العراق لأسلحة كيميائية وبيولوجية تهدد الأمن العالمي، وكان الهدف الحقيقى هو السيطرة على بترول العراق وثرواته، واستعادة ماء الوجه بعد أحداث 11 سبتمبر.. بدأ الغزو تحت اسم «عملية الحرية للعراق» فى 20 مارس 2003، وأسفر عن مقتل 4500 جندى أمريكي، وجرح عشرات الآلاف، وتكلفة بلغت 2 إلى 3 تريليونات دولار، ومقتل أكثر من 200 ألف عراقي، وتدمير الجيش والاقتصاد العراقي، وتمهيد الطريق لانتشار تنظيم داعش.
الشعب الأمريكى نفسه هو أول من اعترض على هذا السجل غير المشرف، ومازال يخجل من ذكراه.. أما شعوب العالم الحر، فهى تصلى من أجل أن يتكاتف البشر لنشر السلام والعدالة والحرية.