ينتابنى شعور بعدم الارتياح يصل لدرجة القلق الحذر مما يجرى امام أعيننا من تغيرات حادة وسريعة فى الشرق الأوسط بكل منمنماته المختلفة، ما عادت عينى ترى أعمدة ثابتة يمكن الاتكاء عليها، والأخطر من هذا هو فقدان الثقة فى الكثير من الأطراف الفاعلة وهذا ناتج من حالة السيولة التى باتت تحكم كل المواقف، وكما يقول المثل «يؤتى الحَذِر من مأمنه» وهذا يمثل عبئا جديدا علينا جميعا فى التعامل مع كل الأطراف الإقليمية والدولية، سأكون أكثر وضوحا فيما اقصده والهدف من هذا القصد وهذه الإشارة.
>>>
بيد أننى لن أنخرط فى صغائر الأمور ولن أترك قلمى يهيم مع الهائمين إذا أحسنوا صفقنا وإذا اساءوا صمتنا، اشعر ان هناك تغييرات جذرية حدثت فى إقليمنا البائس، هذه التغييرات تماثل ما جرى فى سايكس بيكو، وربما تمثل الطبعة المنقحة منها، سنرى دولا تباع وتشترى ودولا تبتلع، وسنرى فى عالم السياسة كبائر ترتكب وحرمات تنتهك وما يشبه زنا المحارم والعياذ بالله، انها «الكبائر السياسية يا عزيزي»، لا أشير هنا إلى وقائع بعينها ولا إلى دول محددة وليس لى من الغمز واللمز نصيب.
>>>
لكنها قراءة مهموم ومطلع وابن الطبقة الواقعية الذى طرد شر طردة من الطبقة الرومانسية، سادتى الأعزاء: أرى أمامى منعطفات خطيرة تستهدف فى مجملها بلادى العزيزة، الاستهداف واضح لمكانتها وأدوارها واستقرارها وقبل كل ذلك يستهدفون «كرامتها وعزة نفسها»، مجددا لا أشير من قريب أو بعيد إلى طرف أو جهة أو دولة، ولكننى ألاحظ منمنمات وفسيفساء تبدو متناثرة مبعثرة لا يربطها رابط لكنها كونت امام عينى صورة – أتمنى ان تكون سراباً – لكنها أشعرتنى بقلق بالغ من قادم الأيام.
>>>
هذا القلق محمود إذا حولناه إلى عزيمة لمواجهة التحديات ومذموم إذا تركناه ككرة الثلج المتدحرجة والتى تكبر لأننا تركناها، فيا أيها الشعب المصرى الأصيل، انتبهوا جيدا لما يدور حولنا وتابعوا الترتيبات التى تجرى امام أعيننا، وثقوا فى قيادتنا الشريفة وأحسنوا الظن بها، وتماسكوا واعتصموا بحبل الله والوطن، العمل ثم العمل والاجتهاد ومسابقة الزمن والاعتماد على انفسنا فى مأكلنا ومشربنا وطاقتنا ودوائنا، ليس أمامنا إلا مزيد من الصبر والحكمة وستمر الأزمات ونحن باقون.
>>>
ثقوا فى انفسكم أولا واعلموا ان أمتنا فى حالة اختبار تاريخى وبما اننا جميعا لدينا مخزون حضارى لم ولن ينضب فإننا قادرون بإذن الله على إكمال مشروعنا الوطني، لا يجب ان ننساق وراء كتائب السوشيال ميديا التى تدار من خلال خوارزميات استخباراتية، ولا يجب أن نذهب مع بائع الحلوى إلى حيث يريد، احذروا بعض ابناء امتنا الذين ذهبوا مع بائع الحلوى خلف مصنع الكراسي، ثم عاد الينا يحمل مزامير الشيطان ويقيم انها مزامير دأوود، علاقة مصر الدولة مع جميع الدول لها منظم ومستقيم، دولة محترمة يحكمها شرفاء.
>>>
دولة تجوع ولا تأكل «بمواقفها»، فالمواقف والمبادئ لا تباع ولا تشتري، لقد كانت لاءات مصر الأربعة بمثابة أعمدة الحكمة التى حمت الحق الفلسطينى من الضياع وحمت هيبة الدولة المصرية، لا للتهجير، لا للتصفية، لا للمشاركة فى ضرب الأراضى اليمنية، لا للمرور المجانى فى قناة السويس ، وقبلها كان رفض زيارة البيت الأبيض قبل ان يتم تدوير الزوايا مع الصديق الأمريكى الذى فقد الكثير من لياقته ولباقته الدبلوماسية، ورغم ذلك وإيمانا بأن السياسة هى فن الممكن.
>>>
استمر الرئيس السيسى فى كل مناسبة يستنهض همة الرئيس الأمريكى ليصنع السلام فى المنطقة أسوة بجيمى كارتر، فى نفس الوقت يذهب الرئيس إلى موسكو لحضور احتفالات النصر بجوار الرئيس بوتين والزعيم الصينى شي، الرئيس يحافظ على الاتزان الاستراتيجى فى علاقات مصر الخارجية، امريكا وأوروبا والصين وروسيا لدينا معهم جميعا علاقات استراتيجية، الدول العربية والأفريقية والإسلامية لما معها علاقات فوق الاستراتيجية، لكن لكل دولة مصالحها ولكل دولة مساراتها، وربما تتقاطع المصالح أو تتنافر.
>>>
لذلك يجب ان يكون اعتمادنا – فقط – على أنفسنا .. مرة أخرى أنفسنا فقط.