سعاد وسهر وسماء وسارة أربع شقيقات قدمن من ميت غمر إلى القاهرة بصحبة أمهن السيدة فتحية، كان سبب الحضور المفاجئ والجماعى هو تلك المكالمة التليفونية التى تلقتها الابنة الصغرى «سماء» على هاتفها القديم الذى أصلحته قبل ساعات قليلة من هذه المكالمة والذى كان معطلا منذ أسابيع، وهذه هى المكالمة الأولى بعد اصلاحه، كانت هذه المكالمة بمثابة حلم عظيم يراود تلك الاسرة البسيطة الكادحة، لقد تحقق الحلم وانتهى الأمر، حلم أسرة مصرية تبحث عن المستقبل وتنحت فى الصخر من أجل غد أفضل، منذ أربعة عشر عاما رحل رب الأسرة وترك زوجته «فتحية» ومعها أربع بنات اثنتان منهن كفيفات، فالكبرى سعاد «كفيفة» حصلت على ليسانس اللغة الإنجليزية وتواصل تعليمها للحصول على درجة الماجستير فى التربية الخاصة، ولديها مواهب وامكانات تثير الدهشة والإعجاب، فهى تعزف على الأورج بالإضافة إلى تفوقها العجيب فى فن التصوير وحصولها على جوائز رسمية، أما الابنة الصغرى سماء «كفيفة» أيضا وهى التى حصلت على المركز الأول على مستوى الجمهورية فى الثانوية العامة وهى من تسببت فى كتابة هذا المقال، «سماء» تلعب رياضة الكاراتيه وتحصل على المركز الأول على مستوى الجمهورية كذلك، أما البنتان الثانية «سهر» فحاصلة على ليسانس آداب قسم آثار والثالثة «سارة» حاصلة على ليسانس «حقوق»، الأم «فتحية» صاحبة براءة الاختراع لمعنى «متعة الكفاح» والمالكة لحق الملكية الفكرية لمفهوم «لذة الرضا «، هذه السيدة المصرية التى تسلمت أمانة أربعة بنات صغيرات فى جميع مراحل التعليم بعد رحيل زوجها منذ أربعة عشر عاما والذى كان يعمل موظفا فى الوحدة المحلية بالقرية ولا يملك إلا راتبه ومحل بقالة فى احدى غرف المنزل، اجتمعت الأم مع بناتها الأربع وقالت لهم بوضوح أما ان نكون يدا واحدة ونساعد بعضنا بعضا بإخلاص وتعاون حتى نكمل مشروعنا الأسرى وأما ان نخسر كل شيء! استمرت الحياة بصعوبة شديدة والهدف هو تنفيذ «المشروع الأسري» الذى يهدف إلى الحراك الاجتماعى والانتقال من طبقة إلى أخرى وهذا لن يتحقق إلا بالتعليم والتعلم، كانت الأم تصحو مبكرا وتصطحب ابنتها الصغيرة المكفوفة من ميت غمر إلى الزقازيق يوميا لمدة اثنى عشر سنة كاملة حتى حصلت على المركز الأول، قصة كفاح حقيقية ونموذج للمرأة المصرية التى تمثل «وتد الاسرة المصرية»، جلست مع هذه الاسرة وتعلمت منهن الكثير من الدروس فى الصبر والإيمان والتعاون والرضا، بيد أن أفضل وأعظم المنح الربانية هى الرضا، فلو ملكنا كنوز الدنيا ووصلنا إلى أعلى مراتب السلطة دون أن نصل إلى «حالة الرضا» فلا قيمة لكل مكاسب الحياة، عندما نتخيل امرأة مصرية بسيطة وفقيرة ماديا لكنها غنية بإيمانها ورضاها وتتحمل كل هذه المصاعب والمتاعب والظروف التى يئن من حملها الرجال وتجد الابتسامة تعلو وجهها وكلمات الرضا تسبقها مشاعر الامتنان والشكر والعرفان لله أولاً ثم لأولئك الذين ساندوها حتى ولو بكلمة طيبة، صورة وأصل متطابقين بلا رتوش أو كواليس اقدمها وأهديها إلى هؤلاء الشكائين البكائين الذين ينفقون وقتهم وجهدهم فى الشكوى وهم يعلمون أن تغير حالهم لن يكون إلا بأياديهم، لا أريد ان امسك بميكروفون الوعظ والإرشاد لكننى أستشعر أن طين الأرض المصرية وملحها هم نساؤها العظيمات المكافحات الراضيات.