رحم الله فنان الشعب يوسف وهبى الذى قال: وما الدنيا إلا مسرح كبير.
هكذا يمضى الموقف الراهن فى غزة والأرض الفلسطينية المحتلة، بل والشرق الأوسط بأسره.. وكأنه عمل درامى مثير تتصاعد فيه الأحداث وتيرة متسارعة، تشد أنظار العالم وتصرفهم عن قضايا أخرى مهمة على خريطة العالم.
تختلط المشاهد الميدلودرامية الحزينة المفجعة بالكوميديا السوداء، بدءاً من عمليات الإبادة الجماعية لأهل غزة وهدم بيوتهم ومستشفياتهم ومرافقهم الخدمية حتى صارت الأرض ركاماً غير صالحة للعيش، وحتى الأفكار الخزعبالية الخرقاء التى تريد تهجير السكان من ديارهم والتباهى بأحلام مطورين عقاريين يحلمون بتحويل البر والبحر إلى منتجعات عالمية سياحية وكمبوندات سكنية فاخرة قد تُطرح فى مزاد عالمى تتاح فيه لمن يرضى الحليف الإسرائيلى على السكن لمن تقع عليه الشروط سواء من أهل غزة أو غيرهم، فالمهم ألا يزعج أبناء الحليفة الربيبة المدللة من سكان المستوطنات الذين يبغون التوسعة على أنفسهم من شقة حجرتين وصالة إلى قصر فسيح يمرح فيه الصبية الشياطين بألعاب «البيجر» القاتلة التى رباهم عليها سفاح القرن نتنياهو، الذى لا يخجل من دمويته على مرأى ومسمع من العالم ورئيس مجلس إدارته.
منتهى التنطع والاستخفاف، الذى جعل المراقبين يشبهون تلك الأحداث الواقعية بأفلام حرب النجوم وغيرها من الخيالات التى صنعها مخرجو هوليوود وتفوق عليهم فيها ساكن البيت الأبيض الجديد القديم.
>>>
ووسط هذه المشاهد المأساوية العبثية، المبكية والمضحكة التى أذهلت قادة وزعماء العالم الذين خدعتهم من قبل الدعاية الإسرائيلية المزيفة للواقع عن أحداث «طوفان الأقصى»، ونجاح أصحاب الأرض فى إفشال مخطط التهجير وتصفية القضية الفلسطينية إلى الأبد.. وذلك بفضل صمودهم واستشهاد الآلاف منهم دفاعاً عن البقاء.. وقد ساعدهم على ذلك الموقف المصرى النبيل الشريف وإعلان الرئيس عبدالفتاح السيسى منذ الوهلة الأولى وعلى مدى 15 شهراً رفض هذا المخطط الذى بدأ يتكشف للعالم الآن.
وتدفقت المساعدات الإغاثية والإنسانية من مصر والعالم، رغم العراقيل والصعوبات التى كان ومازال يضعها الكيان الصهيونى.. ونجاح الوساطة المصرية- القطرية فى إبرام اتفاق الهدنة الذى تحاول اسرائيل الآن خرقه فى مزيد من الضغط على الفلسطينيين والداعمين لهم.
وسط كل هذه التطورات، مازال يبرز الموقف المصرى العاقل الحكيم، الذى يتمسك بالصبر الاستراتيجى الإيجابى فى التعامل مع الموقف، محدداً الثوابت المصرية الراسخة تجاه القضية الفلسطينية، خاصة بعد تصور اليمين الاسرائيلى أنهم نجحوا فى تأهيل غزة لمخطط التهجير، وشروعهم فى تنفيذ السيناريوهات اللاحقة فيما اسموه بـ «اليوم التالى» الذى ظهر على حقيقته أمام العالم.
لعل بيان الخارجية المصرية الجامع الشامل الذى صدر مؤخراً، مؤكداً الحل الشامل للأزمة وإحلال السلام بحل الدولتين الذى يضمن الأمن والاستقرار للفلسطينيين والاسرائيليين ولكل شعوب الشرق الأوسط.
فإنه لم يغفل عن التأكيد على المسارعة فى إعادة الإعمار لغزة وتمكين أهلها من العيش على أرضها دون تهجير لهم.. وأظن أن مصر الغنية بعقول خبرائها وبنائيها قادرة على تحقيق هذا الهدف الإنسانى الذى يشاركها فيه كل العالم المتحضر الذى انزعج لفكرة التهجير والتطهير العرقى الذى يعيد المجتمع الدولى إلى الوراء عشرات السنين.
باختصار، استعادة الحياة الطبيعية لسكان غزة على أرضهم، ليس مستحيلاً.. ولكن تبقى الإرادة العربية التى يجب أن تتوحد على موقف مصر قلب العروبة النابض، مسألة حياة أو موت للأمة العربية فى الحاضر والمستقبل.