لم يستمر الهدوء فى المنطقة يوما واحدا ، فمن معركة إلى معركة ومن صراع إلى صراع الحرب مستمرة وكأن ذلك الإقليم البائس كتب عليه ان يستمر مشتعلا ونستمر نحن نسير على أطراف أصابعنا مترقبين قلقين وننتظر اللاشيء ، المهم اننا فى حالة انتظار عقيم ونعيش حالة استثناء دائم ، أمس بدأت الولايات المتحدة هجوما على معاقل الحوثيين فى صنعاء العاصمة المخطوفة من قبل جماعة الحوثى والتى يقدر عدد مقاتليها 350 الف مقاتل مسلحين بأسلحة إيرانية متقدمة أهمها المسيرات والصواريخ وانظمة الدفاع الجوى المتطورة ، وقد قامت الجماعة بعشرات الهجمات على السفن العابرة فى البحر الأحمر وكان الاستهداف الأساسى السفن الأمريكية والبريطانية وبالطبع الاسرائيلية.
>>>
استطاعت الجماعة استمالة القبائل اليمنية مستغلة موقفها المناهض لاسرائيل فصنعت حاضنة شعبية حقيقية خلال الحرب الدائرة فى غزة ، الولايات المتحدة وعلى لسان الرئيس ترامب أعلنت بدء العمليات العسكرية والتى توقع الخبراء ان تستمر ربما أسابيع والهدف القضاء على قدرات الحركة العسكرية بعدما تم القضاء على قدرات كل الجماعات المسلحة من دون الدول فى الإقليم كله تقريبا ، وارسلت الولايات المتحدة بهذه العملية رسائل شديدة الأهمية إلى ايران وحماس وحزب الله مفادها ان الولايات المتحدة جادة فى تهديداتها ، الوضع بات شديد الخطورة وينبئ بمزيد من التوترات فى اقليم لم يعرف طعم الاستقرار طوال تاريخه.
>>>
فما شهده ويشهده البحر الأحمر من حالة عدم استقرار خلال الفترة الحالية تحول إلى صراع حقيقى قد يقود إلى حرب غير مسبوقة، ومن المعلوم ان البحر والخليج والمضيق كانوا يتعرضون تاريخيا إلى موجات من هجمات القراصنة المنتشرين فى منطقة القرن الأفريقي، كان القراصنة يتحركون كما الفئران على مراكب صيد قديمة مصنوعة محليا وكانت المراكب الكبرى المحملة بالبضائع الثمينة هى الهدف ، حيث كان السلب والنهب والقتل أو طلب فدية ، تطور الوضع مع تطور التكنولوجيا ودخول العالم عصر الذكاء الاصطناعى ، واصبحت القرصنة قصة مختلفة تماما عما مضي.
>>>
ورويدا رويدا تحول فئران البحر إلى أمراء حرب وتمكنوا من السيطرة على بعض الدول وارتدوا أردية التيارات الإسلامية الراديكالية مثلما حدث فى الصومال ، لكن على الجانب الآخر من البحر والمضيق والخليج ظهرت الأشباح وخرجت عفاريت البحر من الكهوف والوديان واندمجت مع القادمين من الظهير الصحراوى وبدأت المناوشات مع السفن والمراكب الكبرى تهديدا ووعيدا ثم التحاما واشتباكا، كانت المسيرات هى السلاح الأسهل والأسرع والاًرخص ، فالمسيرة التى تتكلف 2000 دولار تسيطر على سفينة بنصف مليار دولار، ولكى تواجه هذه المسيرة تحتاج إلى صاروخ تكلفته ٥ ملايين دولار، الولايات المتحدة وبريطانيا وبعض دول الحلفاء تواجدوا بسرعة فى المياه الدولية لحماية الملاحة الدولية فى البحر الأحمر ومنها إلى قناة السويس.
>>>
لكن الوضع يزداد صعوبة ، فمع استمرار الحرب فى غزة ومع اتساع دوائر الصراع فى الإقليم بدخول ايران واسرائيل على خط المواجهة ووجدت تلك الجماعات والميليشيات الحاضنة الشعبية التى تصفق وتشجع وترفع رايات المقاومة ، وجاء تعطيل الملاحة فى البحر الأحمر هدفا بحجة الضغط على الدول الداعمة لإسرائيل لإيقاف حرب غزة ، لكن الحقيقة أن تلك الدول لم تتأثر واسرائيل نفسها لم تتأثر على الإطلاق ، فقط مصر هى التى تأثرت بخسارتها 6 مليارات من الدولارات هى الإيرادات الضائعة بسبب تحويل مسار التجارة من قناة السويس إلى رأس الرجاء الصالح تحت تهديد سلاح الميليشيات المسلحة، وكأن تلك الميليشيات مستأجرة لإيذاء مصر تحت غطاء الدفاع عن الفلسطينيين.