فى محاضرة للدكتور زكى نجيب محمود عن الحضارة وقضية التقدم والتخلف قال رحمه الله «ان الاحتكام إلى العقل فى قبول ما يقبله الناس وفى رفض ما يرفضونه.. هذا الاحتكام إلى مقاييس العقل وحده قد يتبدى فى صور تختلف باختلاف العصور والعقل الذى قصده زكى نجيب محمود هو «العقل الادائي» اى ذلك النمط من انماط السلوك الذى يتبدى عندما نحاول رسم الطريق المؤدية إلى هدف اردنا بلوغه فليس الهدف المختار فى ذاته «عقلا» لانها مبدأ مرفوض اما العقل بمعناه الدقيق فهو ببساطة رسم الخطوات الواصلة بين هذا المبدأ المرفوض من جهة وذلك الهدف المطلوب من جهة اخرى وتعود اهمية هذا العقل إلى ضرورة تبنيه غاية الاندماج فى عالم الحضارة المعاصرة.
هذه الكلمات الفلسفية للدكتور زكى نجيب محمود نحاول تفسير حدث عالمى شهده العالم بعد وفاة الفيلسوف المصرى بسنوات طويلة وهو ازمة الذكاء الاصطناعى والتكنولوجيا المتطورة وتأثيره على الوعى الجمعي.. فهل يخلق الوعى الاصطناعى وعيا اصطناعيا.. بعض الخبراء يطلقون على الذكاء الاصطناعى اسم آلة الوعى الاصطناعي.. وكما هو معلوم فإن الوعى يتم من خلال التشغيل البيئى من مختلف انحاء الدماغ وهناك تعاريف كثيرة خاصة بالوعى فى مختلف المجتمعات وهناك تعريفات اخرى اكثر شيوعا ولكن القضية التى نريد مناقشتها هى تأثير الذكاء الاصطناعى على الوعى خاصة بعد حادث الخلل التكنولوجى فى انظمة الميكروسوفت والذى ادى إلى شلل تام فى الحياة عالميا خاصة دول اوروبا وامريكا واسيا والتى باتت تعتمد كليا على الذكاء الاصطناعي.
ما حدث من خلل ادى إلى ظهور رؤى جديدة للذكاء الاصطناعى وانه يمكن ان يتحقق فقط فى نظم فيزيائية معينة لان الوعى الاصطناعى لديه الخصائص التى تعتمد بالضرورة على القواعد الفيزيائية.. هنا بدأ العلماء يهتمون بقضايا خاصة لمعرفة امكانية ادراك الذكاء الاصطناعى لوجوده والتفكير بطريقة تشبه البشر وبالتالى امتلاك الذكاء الاصطناعى القدرة على التوقع والوعى بالذات وفهم الاهداف والتكيف مع التجارب مما يقربه من حالة الوعى البشرى ولكن العلماء اكدوا انه لايمكن انه يتم تطوير الآلة لتكون ذات وعى فإذا كان الذكاء الاصطناعى قادراً على الحساب والتوقع وتحليل البيانات بدقة عالية فإنه لايستطيع ان يصل إلى العقل البشرى فى التفكير النقدى والابتكار فى حل المشكلات وتكوين المعرفة الشخصية.. وهو ما يعنى بسهولة وبساطة ان العقل البشرى سيظل متفوقا واكثر كفاءة من الذكاء الاصطناعى وقد اعترف العلماء فى بريطانيا مؤخرا ان العقول البشرية تعمل بطريقة اسرع وافضل واكثر تنوعا عن خوارزميات الذكاء الاصطناعي.
يشدنا هذا إلى تساؤل مشروع وهو: ما علاقة الوعى بالذكاء الاصطناعي؟ والاجابة ببساطة هى ان الوعى البشرى نتاج حضارى ناتج عن تأثيرات جماعية لكل ما هو مؤثر فى الوعى الجمعى بل والفردي.
القضية التى نناقشها بعيدا عن الفلسفة واقترابا من الواقع تجرنا إلى شقية الاول هو تأثير الذكاء الاصطناعى على الوعى العالمى خاصة بعد حادث الميكروسوفت والشلل الذى اصاب الكثير من الخدمات والمرافق فى العالم.
الشق الثانى هو ما يخصنا فى مصر وضرورة العودة إلى الحضارة المصرية والوعى المصرى وان نواجه بقوة حالة التغييب والتجهيل التى تمارسها آليات الذكاء الاصطناعى من خلال اجهزة الموبايل وما يتم فيه من خلالها ويشاهده الاطفال يوميا بل طوال اليوم.
لقد اصبحت اللغة العربية غريبة لدى شباب وطلائع واطفال الجيل الجديد كما غابت القيم مع غياب الاهتمام بالدين سواء الاسلامى او المسيحى وغابت عن واقعنا الاخلاقيات التى عاش عليها الأباء والاجداد وبنوا حضارات قوية بينما نحن الآن فى ذيل القائمة الدولية للحضارة والوعي.
انهاء الحرب ضدنا ومن داخلنا والهدف هو ان نفقد الوعى من خلال اليات الذكاء الاصطناعى على حساب الذكاء البشرى ولعلها تكون دعوة لعودة الاهتمام بالوعى الانسانى والذكاء البشرى واستخدام الذكاء الاصطناعى فى خدمة الانسان وليس العكس،.