كثيراً ما يراودنى سؤال حائر لا أجد له إجابة.. فى كل مرة أرى فيها عربات التروسيكل فى كل أحياء القاهرة الراقية مثل الشعبية، يصاحبها شخص يمسك بيده ميكروفوناً يُسمع الموتى قبل الأحياء منادياً «كيلو الزيت المستعمل بـ 35 جنيهاً!».
السؤال هو: الوعى الصحى مسئولية من؟!
بالتأكيد، لا تستطيع وزارة الصحة أن تمنع هذه الكارثة الصحية الناتجة عن استخدام مثل هذه الزيوت المستعملة التى يعرف أصغر أخصائى فى أى مركز للبحوث أنها تتسبب فى الاصابة بمرض السرطان اللعين.. إذ أنه لا يجب استخدام الزيت الذى تحمر فيه المأكولات أكثر من مرة واحدة أو مرتين، لأن الزيوت عند درجة حرارة معينة تصل لمرحلة الأكسدة التى ينتج عنها الكثير من الأضرار أشهرها هذا المرض الخبيث.
كثيراً ما حذر الخبراء والمختصون عبر وسائل الإعلام من خطورة غليّ الزيت بصفة دائمة، خاصة فى المطاعم.. لأنه على سبيل المثال، فإن «الطاسة» التى يقلى بها الطعمية أو البطاطس أو الباذنجان هى «مثبتة» فى إطار حديدى أو أسمنتى ولا يتم تحريكها لغسلها وتنظيفها، وإنما يتم رفع مخلفات القلى من خلال مصفاة ثم يضاف الزيت باستمرار لتعويض الزيت الناقص فى «المقلاة» على نفس درجة الحرارة العالية، ما يؤدى لمزيد من الإفرازات الضارة للصحة.. ومع صعوبة الرقابة الصحية مع هذا الكم الهائل من المطاعم فى ربوع مصر، فما بالك مع استمرار زيوت مستعملة من قبل تلك التى يتم تجميعها من البيوت، وفى ظل الظروف الاقتصادية التى تبحث فيها ربة البيت عن كل قرش يمكن تدبيره وتوفيره لميزانية الأسرة؟!
>>>
لا شك أن كارثة هذا الزيت المستعمل الذى يعاد تدويره عبر مصانع بير السلم لبيعه مرة أخرى للمطاعم، تحتاج تدخلاً حكومياً ومجتمعياً حاسماً، خاصة أن هذه الظاهرة تنتشر فى كل أنحاء مصر، كما يخبرنى العديد من الأصدقاء فى المحافظات الأخرى غير القاهرة.
أتصور أن الحكومة التى تنفق سنوياً مئات المليارات على موازنة الصحة، يجب أن تكون حريصة على منع هذه الكارثة الصحية، ولو بفرض رقابة شرطية تحول دون تجوال هذه التروسيكلات والقبض على عامليها والوصول إلى المجرمين الحقيقيين الذين يتاجرون بصحة المواطنين ويتآمرون على جهود الدولة فى مجال الصحة، خاصة مع المبادرات الصحية غير المسبوقة التى أخذتها الدولة على عاتقها لحماية صحة المصريين، علاوة على مظلة التأمين الصحى الشامل التى يجرى تنفيذها لتغطية كل محافظات مصر.
بالتأكيد، إن الوعى الصحى ضرورة حيوية يجب الاهتمام بها فى مناهج التعليم الأساسي، وأتصور أنه يمكن الاستعانة بالعديد من الأطباء الكبار الذين ينتشرون الآن عبر وسائل الإعلام وشبكة التواصل الاجتماعى يتحدثون عن موضوعات طبية وصحية لكى يقوموا بوضع منهج أو مادة كتاب يُدّرس فى المدارس ويتبنى مسألة التوعية الصحية للتلاميذ، وهذا يتكامل مع عملية بناء الانسان التى تتبناها الدولة، خاصة فى الحكومة الحالية وفى ظل الجمهورية الجديدة التى تتشكل الآن على أرض الواقع.
>>>
باختصار، مطلوب مشاركة حكومية ومجتمعية تتفاعل فيها كل الجهات المسئولة، سواء فى وزارات الصحة أو التعليم أو البيئة أو منظمات المجتمع المدني، وفى مقدمتها نقابة الأطباء، وكذلك المجالس البرلمانية ومراكز البحوث وهيئة سلامة الغذاء وغيرها.
يأتى فى المقدمة، دور المواطن المصرى الواعى المستنير، الذى نعول عليه فى عملية الوعى الشامل التى يحصن بها نفسه وأسرته ومجتمعه للحفاظ على وطنه ومؤسسات الدولة ومقدراتها، ومن بينها الإنفاق الهائل فى موازنة الصحة، خاصة مع الارتفاعات المتلاحقة فى تكلفة العلاج والدواء.. حفظ الله مصر والمصريين من كل سوء.