لم تعد مواقع التواصل مجرد منصات رقمية عابرة، بل تحولت إلى جزء أساسى من حياتنا. فالكثيرون لا يتخيلون يومهم دون تصفح «فيسبوك» أو «إنستجرام»، حتى صار امتلاك حساب عليها بمثابة شرط الانتماء إلى العصر الحديث.. وعلى الرغم من الفوائد االتى لا يمكن إنكارها، كتقريب المسافات وتسهيل التواصل، إلا أن الاستخدام المفرط لهذه المنصات قد حولها إلى وحش يلتهم الوقت ويدمر العلاقات. لقد تحول التصفح العابر إلى عادة قهرية، أشبه بالإدمان، يصعب التخلص منها دون وعى وإرادة حقيقية. و قد يمتد هذا التصفح الى ساعات دون أى فائدة أو منفعة وكأن الانسان فى حالة غياب عن الوعى والواقع المحيط به
هذا السيل الذى لا ينتهى من الصور والأخبار ولحظات الحياة اليومية التى يحرص البعض على نشرها كل ساعة يولّد ما يُعرف بـ»ثقافة المقارنة»، إذ يُخيّل للمتصفح أن حياة الآخرين مليئة بالسعادة والنجاحات المتواصلة، فى حين يبدو واقعه الخاص أقل بريقًا. هذه المقارنات المتكررة قد تؤدى إلى الشعور بالإحباط والقلق، خاصة عندما تُقارن حياة حقيقية مليئة بالتحديات مع حياة رقمية مصقولة لا تعكس الحقيقة بالكامل بل تبرز ما يريد الآخرون ان يصل المجتمع المحيط بهم والبعض يصنع لنفسه حياة مزيفة و يريد لمن حوله ان يصدقوا هذا التزييف.
من الظواهر المتكررة على مواقع التواصل الاجتماعى، قيام بعض الأشخاص بنشر صور تجمعهم بكبار الشخصيات أو المشاهير، فى محاولة لإظهار القرب منهم والتفاخر بعلاقاتهم الخاصة. ورغم أن مشاركة اللحظات ليست بحد ذاتها سلبية، إلا أن المشكلة تكمن عندما تتحول هذه المشاركات إلى وسيلة للادعاء بالمكانة الاجتماعية أو النفوذ، مما يعكس حاجة داخلية للقبول والتقدير على حساب المصداقية.. فى كثير من الأحيان، تكون هذه الصور مجرد لحظات عابرة التُقطت فى مناسبات عامة أو صدفة، ولا تعكس بالضرورة وجود علاقة حقيقية. هذا السلوك لا يعبر إلا عن فراغ داخلى، ويُسهم فى تعزيز ثقافة زائفة تقوم على المظاهر لا الجوهر، وتدفع الآخرين أيضًا للمقارنة والشعور بإحساس سلبى دون مبرر.
أما من حيث الوقت، فإن التأثير يكمن فى أن المستخدم يدخل بنية تصفح سريعة لا تتجاوز الدقائق، لكنه يجد نفسه وقد مضى ساعات فى متابعة المنشورات والردود والصور. وهنا تكمن الخطورة الحقيقية: فبينما يعتقد أنه يرفّه عن نفسه لدقائق، يكون فى الواقع قد فقد وقتًا ثمينًا يمكن استثماره فى إنجاز حقيقى أو تطوير ذاتى.
لقد أصبح من الضرورى اليوم التوقف لإعادة تقييم علاقتنا بهذه المنصات، والوعى بتأثيراتها النفسية والاجتماعية، ووضع ضوابط لاستخدامها، حتى لا تتحول من أداة للتواصل والتقارب إلى سبب رئيسى فى ضياع الوقت، وتآكل العلاقات الحقيقية، وتشتت التركيز و أداة للنصب والتزييف.
إن استعادة السيطرة على وقتنا تبدأ من إدراكنا بأن هذه المنصات، رغم فائدتها، لا يجب أن تكون البديل عن الواقع، ولا أن تسرق منّا لحظاتنا الأكثر قيمة.