داخل جدران بسيطة لا تحمل سوى الألم والأمل، تعيش حنان محمد على الششتاوى أياما عصيبة، ليس بسبب مرضها «سرطان الدم الليمفاوي»، ولكن لأن علاجها الضرورى كان بعيد المنال، وأملها فى الحياة بات مربوطًا بقرار علاج يحيى روحها من جديد.
حنان سيدة بسيطة، لم تكن تعرف يومًا أن المرض قد يصبح بهذا القسوة، ولم تكن تتخيل أن رحلتها مع الألم ستحمل كل هذا الصراع بين الأمل واليأس، عاشت سنوات حياتها مثل الكثيرين تتحمل مشاق الحياة بابتسامة صابرة. لكن فى لحظة، تبدلت الأحوال، وانقلبت الحياة رأسًا على عقب، عندما أخبرها الأطباء بأنها مصابة بأحد أمراض الدم الخطيرة، والذى يتطلب علاجًا دقيقًا ومستمرًا كى تستطيع أن تواصل حياتها.
لم يكن الألم وحده هو ما ينهش جسدها، بل كان الخوف من أن يضيع العمر وهى تبحث عن علاج لا تقدر على تحمل تكلفته، ذهبت إلى لجنة الأورام، وقدمت كافة التقارير المطلوبة، لكنها فوجئت بأن طلبها للحصول على العلاج تم رفضه، كانت الكلمة التى وصلتها وقتها كفيلة بأن تسحب من قلبها آخر ذرة أمل، فشعرت أن الدنيا أغلقت أبوابها فى وجهها، وأن الموت اقترب أكثر من أى وقت مضى بسبب قسوة الطريق إليه.
جلست حنان تبكى فى صمت، لم تكن تملك سوى دموعها، ولا تملك من الدنيا شيئًا سوى أوراق تؤكد حاجتها للعلاج، وورقة أخرى ترفضه. كانت تشعر أن صوتها لا يُسمع، وأن وجعها لا يشعر به أحد.
لكن فى لحظة ما، قررت أن تتمسك ببصيص الأمل الأخير، حملت أوراقها إلى «الجمهورية معاك»، تلك الصفحة التى تعرف أنها وجدت لتكون صوت من لا صوت له، وجسرًا يمتد بين المواطن البسيط والمسئول، وهنا بدأت الحكاية تتغير.
لم يمر وقت طويل، تواصلنا مع الهيئة العامة للتأمين الصحي، وأرسلنا استغاثة حنان بكل تفاصيلها، ومعها كل التقارير التى تثبت احتياجها للعلاج، وجاء الرد مختلفًا هذه المرة، استجابت الهيئة بسرعة لافتة، وتم عرض الحالة من جديد على اللجنة العليا، وبعد مراجعة دقيقة للتقارير وحالة المريضة، صدر القرار بالعلاج على نفقة التأمين الصحي.
شعرت حنان حينها أن الحياة تعود لها من جديد، وأن الرحمة موجودة، وأن صوت الضعيف حين يصل إلى المكان الصحيح، يمكنه أن يُحدث المعجزات.
حين استلمت حنان قرار علاجها الجديد، لم تستطع أن تتمالك نفسها، كانت تبكى وتبتسم فى نفس اللحظة، وتشكر الله من قلبها، ثم وجهت كلمات شكر لـ«جريدة الجمهورية»، التى كانت بالفعل حلقة الوصل بينها وبين الأمل، وقالت: «أنتم أنقذتم حياتى أنا كنت وحدي، لكن لما وصلتوا صوتي، حسيت البلد كلها واقفة معايا، شكرى وتقديرى لمسئولين الهيئة العامة للتأمين الصحى الذين شعروا بألمى ومرضي».
ما قالته حنان كان شهادة حب وامتنان لكل من اختار أن يكون فى صف الإنسان، لم تطلب أكثر من حقها فى الحياة، وكانت تتمنى فقط أن تسمع الجهات المسئولة صوتها، وحين حدث ذلك، تغيرت النهاية.
ما حدث مع حنان هو نموذج لحالات كثيرة تحتاج منّا أن نكون صوتًا لها، أن نمد لها أيدينا، ونفتح لها أبواب الأمل، «الجمهورية» وُجدت لتبنى هذا الجسر، ولتُذكّر بأن هناك من يعانى فى صمت، لكنه لا يزال يؤمن أن فى مصر قلوبًا كبيرة لا تتأخر فى الاستجابة، ومسئولين يسمعون، وصحافة صادقة تحمل الرسالة بإنسانية لا تعرف اليأس.
بدأت حنان اليوم أولى خطوات علاجها، لكن الأهم من ذلك أنها استعادت شعورها بالأمان، وشعرت أن بلدها لم تتركها، وأنها ليست وحدها فى معركتها. وهذه هى الرسالة الأهم، أن نكون مع الإنسان فى ضعفه، وأن نعيد للناس ثقتهم فى أن الخير موجود، وأن صوت الوجع إذا وصل بصدق، فإنه يسمع ويُستجاب.