لفت انتباهى كثيراً عبارة «الهدر الضريبي» التى جاءت فى تصريحات الدكتور محمد معيط وزير المالية مؤخراً لدرجة اننى انشغلت بها وتفاعلت معها أكثر من قيمة هذا الهدر الذى تجاوز الـ 500 مليار جنيه، صحيح الرقم «يخض»، لكن كان البحث وراء معرفة الأسباب هو الأهم عندى حتى أصل لعمق هذه المأساة التى أخشى تكرارها ويكون الهدر الضريبى عندنا أسلوب حياة.
الحقيقة وبعيداً عن التهرب الضريبى والتراشق المعتاد بين أطراف المعادلة الضريبية، هناك ما هو أخطر وهو الفساد الإدارى أو البيروقراطية، فمثل هذه الآفات تلحق بالاقتصاد القومى خسائر لا حصر لها ليس على الصعيد المالى فقط، بل يتسع الأمر إلى كوارث كبيرة أهمها فقدان الثقة بين الممولين ومصلحة الضرائب، وهذا خطر كبير يفتح الباب على مصراعيه أمام الاقتصاد الخفى الذى يُطلق عليه الاقتصاد الموازى وهو المنفذ الرئيسى لهروب أموال طائلة مستحقة لخزينة الدولة.
فى الواقع إذا تطرقنا للمشهد عن قرب، نجد أن هناك ثقوباً كثيرة وثغرات عديدة لا تُمكن من سريان الاجراءات الضريبية فى سهولة ويُسر وتعوق معايير المحاسبة وخلط الحابل بالنابل، ومن أخطر هذه الثقوب أو تلك الثغرات أن بعض القائمين على المنظومة «وهم ليسوا بقليل» لا يمتلكون الرؤية الشاملة للاستثمار وجذب رءوس الأموال وتنمية الاقتصاد القومي، هؤلاء للأسف يستخدمون أو يحولون الفكر الضريبى إلى سلاح طارد للمشروعات فهم يعملون بمعزل عن التنسيق والتكامل، فقط يفكرون فى الأحوط والتخلى عن مسئوليتهم، هذا الفكر العقيم لايلجأ له إلا فى حالتين اثنتين الحالة الأولى أن يكون الموظف مش فاهم واختياره ليس فى المكان المناسب، والحالة الثانية موظف فاهم جداً، ولكنه يتعمد العرقلة وخلق المشاكل والأزمات بهدف الابتزاز والتربح دون وجه حق.
إن علاج مثل هذه الأمور وغيرها ضرورى جداً وبسرعة عاجلة إذا كنا نريد استثمارات أجنبية مباشرة ومحلية تهاجر إلى دول أخري، فلابد من التخلص من العناصر الفاسدة عن جهل أو عمد، فالحالتان وجهان لعملة واحدة، لأن ضوابط العمل الضريبى فى الدول معيار أساسى من معايير قياس المناخ العام للاستثمار ومؤشر مهم فى تحديد معدلات الربحية، حيث لا يوجد مستثمر على الأرض ينوى الاستثمار فى دولة إلا بعد التأكد من استقرارها الأمنى والسياسى ووجود منظومة ضريبية وجمركية عادلة بعيدة عن البيروقراطية والازدواجية فى تحصيل الرسوم أو فرض إتاوات، فكل هذه المشاكل تمثل عبئاً إضافيًا على تكلفة الإنتاج يحد من قدرته التنافسية، ومن هنا لا يكون هناك صناعة ولا تصدير، هذا العمق الحقيقى لابد أن يدركه كل القائمين على خدمة المستثمر ليس فى مصلحة الضرائب فقط، بل فى جميع المؤسسات والأجهزة التى تخدم الاستثمار.
يا سادة الاستثمار صناعة تحتاج إلى عنصر بشرى يُدرك أن تشغيل المشروعات فرص ذهبية للعمل والتنمية الاقتصادية.
إن فقدان البعض لثقافة ربط الخدمة بجلب رءوس الأموال يقضى على الأخضر واليابس، حيث تموت الخدمة مع هروب المستثمر وأمواله.
حقاً.. الحكاية كبيرة جداً وتطبيقها على أرض الواقع بسيط جداً إذا توافرت الإرادة وتجمع الشرفاء على قلب رجل واحد.