كل مدرسة لها أستاذ.. وربما أستاذ كرسي.. كل شخص ينافق بطريقة معينة. البعض ينافق كأنه تحليل علمى هادئ.. هناك من ينافق من خلال صورة غضب غالباً ما تكون مفتعلة.. هناك من ينافق بطريقة ناعمة هادئة مبتسماً على الدوام.. يعتبر نفسه بابتسامته المصطنعة ودوداً.. وقريباً من رئيسه. وهناك من يطلق الصرخات دفاعاً عن مؤسسة ما.. وهناك العكس من يهاجم ليكسب أصواتاً ويعرف بأسلوبه المنافى تماماً لما يحدث فى الواقع ليكسب أرضاً ويعتبر نفسه من محاسيب هذه المؤسسة مثلاً.
إن النفاق أخطر كثيراً من الكذب.. المصيبة الكبرى التى تكمن وراء النفاق أنه يورط الشخص المطلوب نفاقه فى الخطأ.. المنافق يوجهه لارتكاب الخطأ بدون أن يقصد.
أما عندما تنافق شخصاً فأنت تسمعه ما يريد أن يسمعه.. وعندما تنافق شخصاً توجهه إلى السير قدماً فيما يقوم به سواء كان جيداً.. أو سيئاً.. ويصيبه الغرور.
فى يوم ما عندما بدأت عملى بصحيفة الجمهورية.. قال لى أستاذى محمد العزبى لا تقومى بعمل صحفى وأنت غير مؤمنة به تستطعين أن تعتذرى عنه.
وعندما قلت له إن هذا لا أستطيع أن أفعله مع رئيس التحرير محسن محمد لأنه كان يتحدث بعنف شديد ويطالبنى دائماً بما يريد أن يكتب فى الصحف.
قال لى لا تكذبى عليه وناقشيه بهدوء شديد ولم أسمع بالطبع النصيحة إلا فيما بعد.. بعد توالى كثير من رؤساء التحرير الذين جاءوا بعده.
ولا أنسى قوله الصحافة لا يمكن أن تستخدمى النفاق فيها.. فالحقيقة دائماً ساطعة كالشمس.
نصيحة الأستاذ العزبى جعلتنى صريحة أكثر من اللازم وواضحة فى كل ما أكتبه ولا أنافق مصدراً صحفياً.. من أجل أن يعطينى ما أريد من معلومات.
نعود مرة أخرى إلى أسباب النفاق التى يضطر أى شخص أن يمارسه.. هل السبب عدم وجود عدالة لينال حقوقه.. وأن النفاق يستطيع أن يحقق به مصلحته الشخصية فى العمل.
الجديد الآن أن النفاق آفة انتشرت فى الإعلام نجد من يرتدى ثوب المحلل الرزين المدقق الذى يعطيك الكلمة الفصل بهدوء.. وهناك من يتحدث بانفعال مصطنع ليضمن تأثيره على الجمهور.. يعتقد أن الصوت العالى والانفعال سيمنح نفاقه مصداقية.
وهناك من يتحدث بحماس شديد كأنه صاحب البيت وصاحب المصلحة الأولى والأخيرة.
فى مقابل ذلك هناك أنواع من النفاق لا تأتى على هدى الشخص المقصود بالنفاق.. أو من حوله.. فيأتى عكس الغرض المطلوب منه فيؤدى إلى عكس الغرض منه.
المنافقون هم أشبه بتنظيم غير معلن منهم من يمارس النفاق ومن يتلقفه ويشجعه.
المنافق عادة يكون متطوعاً بمبادرة منه يفعل ما يخدم مصلحته على المصلحة العامة ومصلحة بلده كل ذلك لا يفرق معه.. كل ما يهمه تحقيق مصالحه ومآربه وقد يحقق هدفه بالهجوم وقد يحققه بالدفاع.
البعض يستغل الأحداث.. ويبدأ فى استخدام النفاق.. كتب البعض أن فلاناً وفلاناً تبرعوا بمبلغ كذا وكذا فى معهد الأورام.. فى حين أن آخرين لم يتبرعوا.
هذه الحادثة فرصة للمنافقين لكى ينالوا من الشرف على أساس أن هذا الأمر سيسعد بعض المسئولين.. هؤلاء الشرفاء لم يسألهم أحد أين تبرعكم.. وبكم تبرعتم ولمن؟
ربما كانت لهم مسارات أخرى فى التبرع لا يريدون الإفصاح عنها.. فى حين أن البعض يعتبرهم فرصة للنيل منهم.
المنافق لا يستحدث فعلاً.. هو يراقب ما يحدث من حوله.. ويستخدم كل فرصة ليثبت طاعته وولاءه.
قيمة الوطن
> أختتم كلامى بشعر لمحمود درويش: لعلكم أحياء.. لعلكم أصوات لعلكم مثلى بلا عنوان.
ما قيمة الإنسان بلا وطن وبلا علم ودونما عنوان.. ما قيمة الإنسان.