قال صلى الله عليه وسلم: «تجدون شر الناس ذا الوجهين؛ الذى يأتى هؤلاء بوجه، ويأتى هؤلاء بوجه»، وقال: «مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين، تعير إلى هذه مرة وإلى هذه مرة، لا تدرى أيهما تتبع».
إن مشكلة المنافق أنه يعيش بالقناعة التى يريدها سيده، فإن سقط سيده سرعان ما انقلب عليه، وتعلق سيدا آخر، دون أى شعور بالخجل أو المراجعة أو الاعتذار.. يأكل على كل الموائد، وجاهز لكل المواقف، ولديه براعة فى قلب الحق باطلا والباطل حقا، لأن صناديق الحياة المجتمعية تحتاج إلى من يملؤها من السذج والبسطاء الذين حالهم كحال نسوة يوسف حين إنبهرن بظاهر جماله ونسين جراحهن، وعلى كثرة الامراض الاجتماعية يبقى النفاق الاجتماعى من أخطرها وأشدها ضراوة.. هذا الداء العضال الذى يحتاج إلى مواجهة حقيقية بترياق من تقوى الله تعالى ممزوجا بالشفافية والصراحة وتحرى الصالح العام فوق كل مصلحة شخصية أو منفعة وقتية.
اختلف العلماء فى أصل النفاق، فقيل: إن ذلك نسبة إلى النفق وهو السرب فى الأرض، لأن المنافق يستر كفره ويغيبه، فتشبه بالذى يدخل النفق يستثر فيه وهو من وجه آخر إظهاره غير ما يبطن، والنفاق إصطلاحاً هو القول باللسان أو الفعل بخلاف ما فى القلب من القول والاعتقاد أو هو الذى يستر كفره ويظهر إيمانه، والنفاق الاجتماعى يتعلق بسلوك اجتماعي، وعلاقات فردية، وأمراض اجتماعية .. تتأثر بقوة المجتمع وتماسك أفراده، ويظهر خطره فى أن النفاق عموماً مذموم ومنبوذ والمنافقون مكروهون مزيفون ، وذو الوجهين هو الذى يأتى كل طائفة بما يرضيها فيظهر لها أنه منها ومخالف لضدها، وقد يقوم بهذا التصرف الإنسان لذكائه، أو لمصلحة دنيوية، ويدخل فى ذلك المصالح الاجتماعية أو مصالح العمل .. وقد ينوى بذلك تجنب الصدام مع الناس، فيرضى ذلك ويجامل هؤلاء، وهو فى الأصل لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء. فإذا داهنت أو مدحت أو حتى جاملت الفاسق أو حتى من لم يستحق المجاملة بذلك توهم السامع بعكس ما هو فيه، ويصدقك السذج، ويتبعك الإمعة، وخسرت من يفهم ما تقوم به. فاقترفت جملة من الأخطاء.. بسبب ذلك النفاق أو ما يسمونه بعض الناس بالمجاملة، والواقع الاجتماعى يؤكد أنه إذا تكلم الإنسان شيئا غير صحيح، أمامه نموذجان إما إنسان بسيط يسلم له، ليس لديه القدرة ليكتشف خطأه، عنده ثقة، وإما إنسان ذكى دقيق، فالبسيط ضللته، والذكى خسرته، فأنت خسرت على جبهتين، الأول البسيط الذى صدقك ووثق بك والثانى الذكى الحصيف فخسرتهما، أما إذا تكلمت الحق، وحرصت على أن تقول الصدق، ولو كان الثمن باهظا، فإن مقامك سيكون عاليا أمام الجميع، فالناس معادن أصنافاً وأنواعاً وأشكالاً مختلفة.. منهم من يكون بصراحته مزعجاً ، ومنهم من تتقبل صراحته لجمال أسلوبه ومنهم اللبق، ومنهم المداهن ويتجلى النفاق عند بعض الأشخاص فى السكوت عن الخطأ بنية الحصول على مصالح شخصية ، أو خوفاً من ثقة المجامل.
والنفاق الاجتماعى ظاهرة منتشرة تندرج تحتها أفعال كثيرة مثل التلون فى العلاقات والكذب، والصعود على ظهور الآخرين من أجل المصالح الشخصية ويبرز النفاق الاجتماعى ويشتد لمعاناً فى مواقف وفترات محددها اكثرها واقعاً فى مجتمعاتنا هو قرب موسم الاستحقاقات السياسية خاصة الانتخابات النيابية والمحليات حيث يطفو على السطح سماسرة المرحلة وتجارها يستغلون لهفة وطموح المشتاقين للمناصب والمواقع النيابية.
وتلافيا للخلط الشائع بين مفهومى الذكاء الاجتماعى والنفاق الاجتماعي، والذى جعل البعض يرون فى المداهنة والتملق مهارة مشروعة لاكتساب شعبية الجمهور، ونيل الرضا فإن من المهم التأكيد على خطأ هذا الخلط وعدم أخلاقيته، وأنه لا علاقة للنفاق بمفهوم الذكاء الاجتماعى وحقيقة فإن هناك تغيراً فى قيمنا المعاصرة فكلما نتقدم فى تعلم وتطبيق التطور الحقيقى والحياة الحديثة وشيوع المصالح الخاصة كلما نتراجع ثقافياً وقيمياً، فتعانى مجتمعاتنا اليوم من ظاهرة النفاق الاجتماعي، وهو الادعاء الكاذب على أنه صادق، والمبالغة فى المجاملة لتحقيق أغراض شخصية أو مراعاة لعلاقات أسرية أو قبلية، لقد اختلت الموازين، وتغيرت الكثير من قيمنا إلى الأسوأ.
ولا ننكر أن النفاق ظاهرة أصبحت فى حياتنا جزءا منها فى أيامنا وفى ساعاتنا وفى كل ثانية، ظاهرة المنافع وظاهرة التملق، أصبحت حياتنا تدور فى فلكها يوميا انتشر النفاق وانحدرت الاخلاق والقيم والمبادئ.
بات النفاق أمرا طبيعيا وأسلوب حياة، بينما صار الصدق مرفوضا وعملة نادرة، ومن يتبع الحق والصدق نهجا فى عمله وتعامله وسلوكه وأفكاره وقيمه ومبادئه ليس على الهوى وليس من أبناء العصر.
وللنفاق الاجتماعى نتائج سلبية على الواقع المجتمعى فهو يغير من السلوك ويؤدى الى الشعور بالنقص وقلة الثقة وينتج عنه حالة من الظلم وحرمان الآخرين من حقوقهم والابتعاد عن قيم العدل والمساواة، ويعمل على العنصرية ويؤدى إلى الطبقية، كما ان له مردوداً سلبيا حيث التركيز على الكماليات دون الاهتمام بالأساسيات، مما يؤثر على كافة المحاور المجتمعية ويؤدى الى خلل واضح فى المجتمع.
وللتغلب على هذه الظاهرة المقيتة البغيضة فلا بد من التركيز على المضمون وعدم الاعتناء بالشكليات، والرجوع إلى القيم والمبادئ الدينية التى تحرم النفاق، مع الاهتمام بنشر الثقافة والعلم فى أوساط الشباب، والتركيز على الإنجازات البشرية وترك المظاهر الخداعة فليس كل ما يلمع ذهباً مع ترسيخ قيم التصالح مع النفس والتعامل مع البشرية بلسان واحد وبوجه واحد تحكمه نقاء السريرة.
وفى النهاية ونحن أمام هذه الكارثة الأخلاقية الاجتماعية وهذا الواقع البائس المتردى كم نحتاج إلى الجرأة والمصداقية والمواجهة المحاربة كل مظاهر النفاق نريد ان تكون الجمهورية الجديدة التى تحلم بها ويؤسس لها الرئيس عبد الفتاح السيسى وما تشهده المرحلة الراهنة من تقدم فى كافة المجالات.. أن يكون هناك ميثاق اخلاقى وخطاب دينى متطور متجدد يواجه كل الظواهر السلبية فى المجتمع فى إطار مفاهيم واضحة ترسخ للصدق والأمانة والتسامح والتصالح مع النفس .
وختاماً انهى بقوله سبحانه وتعالى «وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فى حَسبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٍ» (سورة التوبة)
حفظ الله مصر
حما شعبها العظيم وقائدها الحكيم