فى فبراير القادم، تكمل الحرب الروسية ـ الأوكرانية عامها الثالث، وفى الثامن من أكتوبر القادم يكمل العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة عامه الأول.. وفى هذين الحربين خسر العالم، بشكل فادح كثيراً من مصداقيته وعدالة نظامه الدولي، وقدرته على ترسيخ الأمن والاستقرار والسلام، بل الأكثر فداحة من ذلك هو سقوط المبادئ الإنسانية، وأيضاً تساقط أقنعة الزيف والخداع وحقوق الإنسان والحرية، ليتأكد للجميع أن النظام العالمى الحالي، لم يعد يصلح على الإطلاق، بل يحتاج تفويضاً وليس مجرد إصلاح، لأن القوى المهيمنة على هذا النظام، لم تعد تتمتع بأدنى درجات المصداقية.
النظام العالمى الحالى يواجه مازقاً خطيراً يهدد وجوده، ويقوِّض ركائزه فى ظل قهر الدول بهذا النظام الذى يعانى أمراضاً خطيرة، مثل غياب العدالة والمساواة، وتنامى ازدواجية المعايير، والكيل بمكيالين وتصاعد وتيرة الصراعات والنزاعات والحروب وحروب الوكالة والأطماع والمؤامرات ونهب ثروات الدول وانتشار ظاهرة الإرهاب المدفوع والمدعوم والممول، الذى تتوفر له الملاذات الآمنة، وانتهاك سيادة الدول وعدم الامتثال لمبادئ القانون الدولي، أو القانون الدولى الإنساني، أو قوانين الانهيار العابرة للحدود، وتفشى القتل والانتهاكات الإنسانية خاصة المدنيين والأطفال والنساء، وحرب الإبادة والحصار والتجويع تحت سمع وبصر النظام العالمي، وباتت منظماته ومؤسساته خارج الخدمة، وبات أكثر الدول لا تؤمن بما وصل إليه النظام العالمى من ثغرات وتناقضات وازدواجية فى المعايير.
الصراع المحتدم بين النظام العالمى القائم أحادى القطبية الذى تقوده الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون، والنظام العالمى الجديد الذى يتطلع إلى الظهور وأن يكون بديلاً للقديم، تسبب فى هذا الصراع فى معاناة شديدة، وتوقعات بنذر حرب عالمية شاملة من شأنها أن تعيد هذا العالم إلى عصور الظلام، فما يحدث فى مناطق عدة من حروب لتكسير وتحطيم العظام بين المعسكرين سواء فى الحرب الروسية ـ الأوكرانية التى دخلت عامها الثالث، والتى ألقت بتأثيراتها وظلالها القاسية وتداعياتها الكارثية على دول وشعوب العالم خاصة على الصعيد الاقتصادي، ورغم أن الحرب الروسية ـ الأوكرانية مازالت لم تخرج بعيداً عن نطاق التقليدية وترى فيها بعض الحكمة وعدم التهور ومازال يتمسك الرئيس الروسى فلاديمير بوتين بعدم الاندفاع إلى استخدام أسلحة غير تقليدية إلا أن التطورات الأخيرة فى المشهد الروسى الأوكرانى تنذر بخطر داهم، حيث أعلنت الولايات المتحدة والدول الأوروبية أن مفاوضات مد أوكرانيا بصواريخ دقيقة بعيدة المدي، لضرب واستهداف العمق الروسى أوشكت على الانتهاء والإقرار بمد أوكرانيا بهذه الصواريخ، فى الوقت الذى حذرت فيه روسيا على لسان بوتين من مغبة وخطورة الإقدام على هذه الخطوة، وأنه فى حالة استهداف العمق الروسي، فإن هناك إجراءات سوف تتخذ لاستهداف الدول الغربية، واعتبارها طرفاً فى الحرب وهو الأمر الذى ينذر بتوسع دائرة ونطاق الحرب الروسية ـ الأوكرانية، وبالتالى المشهد بات ضبابياً وغامضاً ومجهولاً، ومما يطرح السؤال إلى أين يمضى هذا الصراع فى ظل هذا التعقيد، فلم يبق على إمداد أوكرانيا بصواريخ بعيدة المدى لضرب العمق الروسى إلا موافقة الرئيس الأمريكى جو بايدن وبات الأمر قريباً، فربما تستهدف روسيا دولاً أوروبية فى ظل التسليح الغربى المتطور لكييف، وهذه الحرب هى أحد ملفات الصراع بين النظام العالمى القائم والذى امتد إلى مناطق أخرى خاصة فى الشرق الأوسط، وهناك حالة من الغليان والثوران وباتت المنطقة على شفا الحرب الشاملة فى ظل العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة والضفة الغربية والتمسك بالتصعيد، وفتح جبهات جديدة مع إيران واليمن ولبنان وسوريا والعراق، واستمرار حرب الإبادة ضد الفلسطينيين، والإصرار على تدمير وتفريغ القطاع والضفة من سكانها من خلال تدمير ممنهج سعياً إلى تصفية القضية الفلسطينية، وتهجير الفلسطينيين أو إجبارهم إلى النزوح إلى الأراضى المصرية والأردنية وهو المخطط الذى فشل تماماً بسبب الموقف المصرى الحاسم، والقاطع، وقوة وقدرة الدولة المصرية، وتحذيراتها ومع استمرار فشل نتنياهو رئيس حكومة المتطرفين فى إسرائيل فإن الأمور تزداد تعقيداً فهو يعيش بين مطرقة الفشل فى تحقيق أى هدف يذكر خاصة الإفراج عن الأسرى والرهائن الإسرائيليين المحتجزين لدى المقاومة، أو القضاء على قدرات الفصائل الفلسطينية، أو إخفاقه فى تنفيذ مخطط التهجير والتوطين، وسندات الحساب والعقاب والتحقيقات بسبب الفشل والفساد.
فى ظنى أن العدوان الإسرائيلي، هو حلقة أيضاً من الصراع بين النظام العالمى القائم والجديد حيث يبحث النظام القائم على استمرار الهيمنة على مناطق النفوذ وإعادة صياغة وتقسيم وإرساء جغرافيا جديدة للمنطقة، تضمن، بقاءه واستمراره، لكن حالة الانسحاب الدولى من النظام القديم بصور مختلفة لعل أبرزها الرغبة فى الانضمام إلى تحالفات دولية أخري، بل كان العدوان الإسرائيلي، وتداعياته الإنسانية والأخلاقية ودعم أمريكا والغرب لحرب الإبادة، مسماراً جديداً فى نعش مصداقية النظام العالمى القائم.
العالم يدفع ثمناً باهظاً ومؤلماً بسبب سقوط أخلاقية ومصداقية النظام العالمى القائم من ناحية، ويسدد فواتير باهظة الثمن بسبب الصراع المحموم بين النظامين القائم والمتطلع من ناحية أخرى تتمثل فى تداعيات هذا الصراع القاسية على كافة الأصعدة الاقتصادية والأمنية، ولعل مشاهد الصعوبات الاقتصادية فى العالم تشير إلى ذلك ثم أن ما يحدث فى دول الأزمات فى الشرق الأوسط مثل السودان واليمن، وما يحدث من انتهاكات أثيوبية لقواعد القانون الدولى ، واستمرار الأزمة الليبية دون حل وهو ما يجرى فى البحر الأحمر، وانتشار ظاهرة الميليشيات والجماعات الإرهابية التى صنعها النظام العالمى القائم ودعَّمها بالإضافة إلى الكيانات السياسية والعسكرية والأمنية الموازية لمؤسسات الدولة الوطنية فى بعض الدول كل ذلك يشير إلى حالة فوضى ممنهجة.
مصــر انتبهت مبكراً لما يعانيه النظام العالمى القائم، وفى إحدى دورات الجمعية العامــة للأمـــم المتحـــدة، أكد الرئيس عبدالفتاح السيسى فى كلمته، أهمية إصلاح المنظومة الأممية، والنظام العالمى والتخلص من حالة التناقضات وغياب العدالة وازدواجية المعايير، الممثلة، وعدم تفعيل مبادئ القانون الدولي، ودعا الشعبين الفلسطينى والإسرائيلى إلى القبول والتمسك بالسلام بشجاعة من أجل التعايش وأمن واستقرار وسلام الشرق الأوسط والعالم.
الرئيس السيسى خلال مشاركته فى الحدث الرئاسى الافتراضي، وجه نداء عالمياً لقمة المستقبل أكد على أهمية التمسك بتطبيق ميثاق الأمم المتحدة لإرساء نظام قائم على مبادئ وقواعد القانون الدولى وإصلاح هيكل النظام المالى العالمى وتعزيز مشاركة الدول النامية فى آليات صنع القرار الاقتصادى وتقوية دور الأمم المتحدة فى الحوكمة الاقتصادية الدولية.
الرئيس السيسى أكد على العديد من النقاط المهمة التى تؤكد الحاجة إلى إصلاح النظام العالمي، قال: نلتقى قبل أيام من قمة المستقبل التى تنعقد عليها الآمال من أجل التوصل إلى توافق دولى من شأنه تعزيز العمل متعدد الأطراف وفى القلب منه جهود منظمة الأمم المتحدة مما يحقق أهدافنا المشتركة فى التنمية المستدامة والحفاظ على الأمن والسلم الدوليين وتمتع الشعوب بكافة حقوق الإنسان بشكل عادل وشامل، والتمسك التام بتطبيق ميثاق الأمم المتحدة لإرساء نظام عالمى قائم على مبادئ وقواعد القانون الدولى دون تمييز أو معايير مزدوجة.
تشخيص دقيق وشامل لأزمة النظام العالمى القائم وكارثيته على مستقبل العالم، حتى وصل إلى ما يشبه قوانين الغاب القوى يأكل فيه الضعيف، لذلك لن ينجو إلا الأقوياء وأصحاب الحكمة.
تحيا مصر