تشهد الفترة المقبلة استعدادات الدولة والأحزاب والمواطنين للاستحقاقات السياسية المرتقبة خاصة انتخابات مجلسى النواب والشيوخ ولا شك أن الانتخابات هى واحدة من صور المشاركة فى النظم السياسية، وتتوقف تلك المشاركة على عدد من العوامل يأتى على رأسها البيئة الانتخابية و التى تعد واحدة من عوامل التأثير فى الحياه السياسية، والتى لا تشمل اجراءات ما قبل الانتخابات فحسب بل تتعدى إلى الإجراءات و القواعد المنظمة للانتخابات أثناء سريانها ويأتى المتغير الاهم فى البيئة الانتخابية وهو أداء السلطات المنتخبة بعد اجراء الانتخابات ويقصد بالبيئة الانتخابية الاستعدادات الخاصة بالانتخابات سواء التشريعات المنظمة للعملية الانتخابية أو محددات المشاركة فى الانتخابات، وكيفية ادارة العملية الانتخابية.
والحقيقة المؤكدة أن الانتخابات هى الوسيلة المنشأة للبرلمانات، حيث تلعب دورا فى التفاعلات داخل النظم السياسية للإسهام فى بناء الدولة وتبنى النظام الديمقراطى السليم. وتعتبر مسألة انتقاء النظام الانتخابى من أهم القرارات بالنسبة لأى نظام ديمقراطي، ففى غالبية الأحيان يترتب على اختيار نظام انتخابى معين أثار على مستقبل الحياة السياسية.
لا شك أن كل نظام انتخابى له إيجابياته وسلبياته، وهناك عدة نظم انتخابية مطبقة فى العالم منها نظام الانتخاب الفردى حيث يتم فيه تقسيم الدولة الى عدد من الدوائر إضافة إلى نظام الانتخاب بالقائمة الذى يعنى أن كل مجموعة من الدوائر الصغيرة يتم جمعها فى دائرة واحدة كبيرة، وهناك نوعان من نظم الانتخاب بالقائمة يتمثلان فى القائمة النسبية والقائمة المطلقة، وهناك نظام ثالث هو النظام المختلط الذى يجمع بين نظام القائمة والفردي، والنظام الانتخابى فى مصر يخضع لقانون مباشرة الحقوق السياسية وتعديلاته، بدءاً من الشروط الواجب توافرها فى المرشح مروراً بمرحلة تلقى الطلبات إلى الطعون والدعاية الانتخابية ثم مرحلة التصويت وما يتبعها من إعلان للنتائج. والنظام الانتخابى فى مصر أخذ فى التغير من نظام الانتخاب بالقائمة إلى الانتخاب الفردي، إلى الجمع بين النظامين.
ولا يوجد نظام انتخابى كامل الاوصاف وخال من العيوب، ولكن هناك أنظمة انتخابية تنتج أنظمة أكثر تمثيلا للشعب، وأكثر شفافية، وأفضل الأنظمة وأكثرها عدالة، بإجماع علماء السياسة، هو النظام البرلمانى الذى يسهم فى تحقيق تمثيل عادل للسكان وليس لعدد من لهم حق التصويت.. والنظام الانتخابى الأنسب هو الذى يتماشى مع معتقدات وتجارب وخبرات الناخبين ويتماشى أيضا مع قواعد الدستور ويحقق التجانس والتمثيل المناسب داخل البرلمان.
والحقيقة أن دعوة الرئيس عبدالفتاح السيسى للحوار الوطنى ومناقشة قانون مباشرة الحقوق السياسية والأحزاب والنظام الانتخابى الملائم للواقع المصرى كانت بمثابة تفاعل من الرئيس مع الواقع المجتمعى والسياسى حيث تبنى الحوار الوطنى مناقشات لكافة الجوانب وانتهت إلى رؤى عديدة أتمنى أن تلبى طموحات الشعب المصرى للوصول لنظام انتخابى يليق بإسم وعظمة وقوة الدولة المصرية. وهنا تجدرنى الاشارة إلى ان الاستقرار على النظام الانتخابى الأكثر ملائمة للواقع المصرى يستلزم ضرورة دراسة ابرز السلبيات الناتجة عن التطبيق العملى فى الانتخابات البرلمانية السابقة خاصة انتخابات 2020، حيث أفرزت الممارسة عن عدم تمثيل عدد كبير من المراكز والأقسام الإدارية على مستوى الجمهورية مع تمثيل عدد من المراكز بضعف الأعداد كما برزت على الساحة مشكلة القوائم الكبيرة التى تضم العديد من المحافظات من مساحات مترامية الأطراف حتى قيل أن مرشحى القائمة الواحدة وعددهم مائة مرشح غير معروفين لبعضهم البعض فلا يعقل أن يكون الناخب فى حى المهندسين والدقى بالجيزة يصوت لصالح قائمة حدودها حتى محافظة أسوان، كما أن نظام الاحتياطى للمرشحين بالقوائم أعطى نموذجا لتوريث المقعد النيابى وهو نظام لا يتوافق مع ثقافة وقيم الشعب المصري. كأن يضع المرشح الأصلى الاحتياطى له ابنه أو شقيقه أو زوجته الخ.
ومن هنا فإن النظام الانتخابى الأمثل والملائم هو الذى يتوافق مع الواقع ويتغلب على مشكلات التطبيق العملى وسلبياته من خلال أحد الاقتراحات التالية فإما الأخذ بنظام الانتخاب الفردى لثلثى المقاعد خاصة أنه يتوافق مع ثقافة الشـــعب المصــرى والثلث للقائمة المطلقة لتشمل تمثيل كافة الفئات المنصوص عليها فى الدستور أو 50٪ للنظام الفردى و50٪ للقائمة المطلقة ويمكن تطبيق القائمة النسبية إذا وضعت ضوابط تكفل تمثيل كافة الفئات بما يضمن عدم الطعن عليه دستوريا كما سبق، مع الإحاطة بأن الأخذ بنظام القوائم يتوقف على التحديد الملائم والمناسب للدوائر لتكون القائمة لكل محافظة على حدة لتضمن التجانس والتنسيق والانسجام بين أبنائها مع وضع نظام الاحتياطى للقوائم وفق ضوابط قانونية وتنظيمية تكفل التخلص من سلبياته مع وجود ضوابط حاكمة تكفل التمثيل الملائم للسكان وليس لمن لهم حق التصويت فقط مع تحديد الوزن النسبى للمقعد لضمان تمثيل كافة المراكز على مستوى الجمهورية مع الوضع فى الاعتبار زيادة عدد المقاعد بما يواكب الزيادة السكانية، والمؤكد حقا أن اختيار النظام الانتخابى الأكثر ملائمة للواقع المصرى سوف يحقق مردوداً إيجابيا واسع المدى فى تحقيق السلم والاستقرار المجتمعى والارتقاء بالمناخ السياسى بالجمهورية الجديدة، بما يرسخ للديمقراطية الحقيقية التى تجعل من المواطن المصرى أكبر داعم لبناء الدولة المصرية ويعظم من قيم الولاء والانتماء لدى المواطنين.
حفظ الله مصر..حما شعبها العظيم وقائدها الحكيم