هناك فارق بين شر مجانى يحاولون تغليفه فى عبوات أنيقة، ويلونون شخصية البلطجى أو القاتل والسارق بلمسات إنسانية فى موضوعات فارغة لا تخرج منها بشيء.. ويختلف الأمر عندما يتم تقديم اللص أو الفاسد فى إطار درامى ناضج يدين السرقة والبلطجة، لكنه يقدم الصورة الأخرى إذا تغير السارق وتحول إلى شخصية مختلفة إيجابية، وتقديم البطل الدرامى بملامح عميقة وتفاصيل مقنعة يحقق النجاح ويعظم رسالة الفنان.. هل تذكرون كيف عالج نجيب محفوظ قصة سعيد مهران، وقد استوحاها من مجرم حقيقي، لكنه قدمه فى إطار اجتماعى نفسى إنساني.
لم يتجاهل «محفوظ» أن السرقة جريمة، وعليه أن يأخذ الجزاء الذى يستحقه، ولكنه قدم فى المقابل نوعية أخرى من اللصوص فى وظائف ومواقع مهمة، وعلينا أن نحترم الجانب الإنسانى عند الجميع، وهناك مؤسسات تبحث فى هموم المسجون الإنسانية، وقد نال عقابه القانوني، لكن إنسانيته يجب احترامها، وقد كنت قبل رمضان أضع فى اعتبارى اننى سوف أشاهد عملاً له قيمة يحمل اسم «أحمد أمين» ذلك الفنان الذى أدهش الكل فى مسلسل «جزيرة غمام» وكان اختياره يستحق جائزة لمن فعلها سواء المؤلف عبدالرحيم كمال أو المخرج حسين المنباوي، وقبلها كان «أمين» مصنفاً كممثل ظريف له برنامج كوميدي، لكنه كشف عن وجه آخر ظهرت من خلال ثقافته وخبراته المتعددة بعد تخرجه فى كلية الفنون الجميلة، وبدايته مع الإنترنت والسوشيال ميديا، ثم الكتابة لمسلسلات كارتون «القبطان عزوز، دياسطي، كوكب كراكيب»، ثم الوجود فى أدوار صغيرة كان عليه أن يقبلها لأنها اختياره الوحيد للإعلان عن نفسه، حتى كان مسلسل «ما وراء الطبيعة» ورغم ما فيه من جهد، لكنه لم يقدم «أمين» كما ينبغي، وبهذه الخبرات فى الكتابة والتمثيل والإخراج، وبهذا الحس الفنى الناضج، التقط قصة مذكرات نشال التى نشرت لأول مرة فى الثلاثينيات وتم إهداؤها إلى توفيق الحكيم المأخوذة عن حياة نشال حقيقى تاب ثم عاد ثم تاب، ولكنه بدافع وطنيته كمصرى استثمر مواهبه الإجرامية فى محاربة الاستعمار الانجليزي، انها نفس الفكرة التى استند إليها محمد صبحى فى مسلسله الاستثنائى «فارس بلا جواد» الذى تعرض لحملة شرسة قبل عرضه للتعتيم عليه، لكن الجمهور أعطاه التقدير الذى يستحقه ومازال يلقى نفس الاهتمام منذ عرضه الأول 2002.
النص
نشال «أمين» هو المعلم عبدالعزيز النص، وهو يختلف إلى حد كبير عن حافظ نجيب بطل قصة صبحي، حيث توغل فى المال والنساء، بعكس عبدالعزيز الذى ارتبط بالنشل فقط دون مغامرات نسائية، لكنه اتجه إلى العمل الوطني، وهذه الخلطة أضاف إليها فريق الكتابة عبدالرحمن جاويش مع وجيه صبرى وصاحبة الخبرة التشكيلية والدرامية سارة هجرس، وأظن أن أمين لم يكن ببعيد عن مجموعة الكتابة خطوة خطوة، ويتضح هذا فى أن المشهد الواحد تجد فيه ما يضحك وما يبكى وما يستفزك وما يضيف إليك جديداً.
الخلطة أيضا من عوامل نجاحه، وتميزها اختيار هذا الكاست أو الطاقم الذى يعرف ماذا يقول ومتى وكيف وأين، بعيداً عن سماجة الاستظراف و»القلش» بمناسبة أو بدون.
على رأس هؤلاء، حمزة العيلى الذى تستطيع أن تعرف قدر موهبته وثقافته وخبرته وقدراته، وأنت ترى فى أكثر من مسلسل، وكأنه بألف وجه، وأنا أتابعه منذ فترة، وهو مثل السوائل فى الأوانى المستطرقة يتخذ شكل الإناء أو حسب الدور الذى يلعبه حتى لو تواجد فى عمل لا يرضيك كله، لكنه يستوقفك بأسلوب أدائه، إلا إذا ظبطت الموجة مثلما رأيناه فى شخصية «درويش» مع عصابة أمين، وتذكروا أدواره السابقة فى رسالة الإمام قمر هادى «العودة» وكلمة السر فى تألقه، أنه ابن المسرح الحاصل على جائزة أحسن ممثل صاعد فى مهرجان تطوان بالمغرب عن مسرحية «ظل الحمار».
نجمة العصابة الوجه الأسمر الجميل أسماء أبواليزيد صاحبة الأداء الطبيعى دون ألوان صناعية أو مواد حافظة.. أقول هذا وأنا أعرف أن ممثلة بهذه النوعية لن تجد فى كل ما يعرض عليها ما تتمناه، وكم جلست فى بيتها، خاصة فى البدايات وما بعدها، ناهيك عن ضغوط وغلاسات أخري، ومع ذلك تخترق هذه الفنانة الحواجز وتصل إلينا بصورتها التى رسمت ملامحها خطوة خطوة، وتقف فى منطقة متفردة بين بنات جيلها.
ويقدم صدقى صخر الذى انتبهت إليه مع حنان مطاوع فى «صوت وصورة» وهو مع العصابة ضابط الشرطة الوطنى الذى ينحاز للقانون، لكنه ينحاز لوطنه ضد المحتل، أداء رزين.. فاهم.. يضيف بالتأكيد لما هو مكتوب.
لا تتوقف مفاجآت عصابة النص عند هذا الحد، بل يدهشنا بهذا السمين الرشيق عبدالرحمن محمد، اتضح أنه حدوتة واختصر بدوره هذا سنوات من رحلته الفنية، عليه أن يقبض عليها بيده وأسنانه.
وفى هذا السياق تسأل نفسك: هل هذا هو مراد مكرم الذى جاء من قناة النيل للمنوعات يلتمس لنفسه فرصة وتم حشره فى أدوار بعينها حتى طاب واستوى وعرف الكثير من سر الصنعة، وجاء إلى عصابة أمين لكى يرتقى درجة فى سلم الفن مع سامية الطرابلسي، بينما القدير يوسف اسماعيل لا يحتاج إلى تقييم لأنه من الأساتذة ولا يمكن تجاهل ياسر الطوبجى طبعاً.
الطاقم كله
مهما كانت اجتهادات فريق التشخيص بقيادة أمين، لكن هناك الإخراج «حسام علي» وهو ما يعنى القدرة على تجسيد هذه الأجواء القديمة بإقناع وتفاصيل دقيقة يخدمها المكياج والملابس والديكور والموسيقى والتصوير ويخدم هذا المنتخب وعلى رأسهم المنتج الجرئ الذى يعرف كيف يكسب المال والاحترام وأقصد الثنائى تامر مرتضى ومحمد جبيلي، وهذا العمل قد لا يكون أكثر ضجيجاً من غيره، لكنه أكثرها استمراراً ولو بعد حين.
>> للتذكير.. موسيقى أشرف الزفتاوي، ديكور أحمد عباس، ملابس ليلى ماجد، مونتاج مرام جنيدي، تصوير يوسف بارود.