شهدت مصر بعد أحداث 25 يناير، وخلال فترة حكم جماعة الإخوان كارثة اقتصادية بكل المقاييس، وبرزت فى تراجع كل المؤشرات الاقتصادية ونقص فى المواد البترولية وانقطاع الكهرباء وتدهور البنية التحتية من طرق وصرف وانقطاع المياه وطوابير الخبز ونقص فى كل الخدمات الحيوية، وكانت الأنشطة الاقتصادية بكاملها فى حالة من التراجع المؤسف، وبالرغم من تلك المعاناة التى تعرض لها الاقتصاد المصري، لدرجة أنه أوشك على الإفلاس وتراجعت كل مؤشراته إلا أن دولة 30 يونيو نجحت فى التغلب على الأزمات الاقتصادية التى خلفها حكم الجماعة وأتمت برنامجها الإصلاحى بنجاح، وحققت أهدافه الرئيسية وتحسنت مؤشراته بشكل ملحوظ حتى أصبحت حديث العالم بما حققته من نجاحات وإنجازات فى ضوء الإرادة السياسية والإلتزام القوى من الدولة بشهادة كل المؤسسات الدولية.
كانت ثورة 30 يونيو »طوق النجاة «للاقتصاد المصري، الذى دمره الإخوان تماما خلال 369 يوماً هى مدة حكمهم كما قالت وقتها مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية، حيث تسببت سياسات حكومة الإخوان الإرهابية فى أخطاء لا تحصى كانت السبب الأهم وراء تخفيض التصنيف الائتمانى لمصر.
كان تعامل حكومة الإخوان مع الملف الاقتصادى أثناء حكم مرسى فاشلاً، وبداية الفشل كانت مع إعلان برنامج المائة يوم الذى تعهد فيه بحل معظم المشاكل الاقتصادية اليومية التى تواجه المواطن المصرى وعلى رأسها الكهرباء والغاز والبنزين والخبز، لكن ما حدث كان زيادة الأوضاع سوءاً خاصة فيما يتعلق بأزمة الوقود الخانقة التى انعكست سلبا على المخابز وحركة المرور والكهرباء.
تراجع الاستثمارات
انخفضت الاستثمارات الأجنبية والعربية فى مصر خلال الفترة من يونيو 2012 وحتى الشهر ذاته من 2013 إلى أقل مستوياتها، وبعد ما وصلت هذه الاستثمارات إلى 13,4مليار دولار خلال عام 2009 انخفضت عام 2012 لتصل إلى مليارى دولار ثم تراجعت عام 2013 لتصل إلى أقل من مليار دولار، كله يرجع لعدم امتلاك الإخوان خبرة اقتصادية وانهم لم يعملوا الا فى التجارة ولم تكن لديهم خبرات عملية لإدارة منظومة اقتصادية، وعندما واتتهم الفرصة وتولوا السلطة اكتشفوا ان إدارة الاقتصاد تحتاج إلى خبرة ألا انهم لم يعترفوا بذلك، وقد أدى سوء إدارتهم إلى تدهور معدل النمو الاقتصادى إلى 1,8 ٪ وارتفاع عجز الموازنة إلى 14,6 ٪ وزيادة معدل البطالة إلى 14,8٪ وكذلك انخفاض احتياطى النقد الأجنبى إلى 12,6 مليار دولار وانخفضت الصادرات غير البترولية إلى النصف بسبب توقف المصانع عن الإنتاج أو العمل بربع طاقتها نتيجة لعدم وفرة الغاز والكهرباء وايضا عدم توافر الدولار لاستيراد المواد الخام.
تدهور اقتصادي
كان التدهور الاقتصادي، العامل الأهم فى رفض جماعة الإخوان الإرهابية وبعد تغير الأوضاع أثر ثورة 30 يونيو كان لابد من إنقاذ اقتصاد البلاد بشكل سريع ومدروس وكان تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادى المصرى فى نوفمبر 2016 بالإدارة الرشيدة والأداء المؤسسى يهدف إلى معالجة الاختلالات الهيكلية وضبط المالية العامة على جانبى الإيرادات والمصروفات، وكان تنفيذه بنجاح طوق النجاة الحقيقى لخروج مصر من الهاوية، بعد ان أوصلها الإخوان للصفر، وتوالت بعد ذلك مشروعات التنمية العملاقة فى طول البلاد وعرضها وفى مقدمتها مشروع حفر قناة السويس الجديدة الذى تحمس له المصريون وجمعوا له 64 مليار جنيه فى اسبوع واحد وانشاء الآلاف من مشروعات البنية التحتية والطرق والكبارى والانفاق ومحطات الطاقة الكهربائية الضخمة والمدن الجديدة السكنية والصناعية والمشروعات السياحية واكتشافات الغاز والبترول، ما أدى إلى تحسن جميع المؤشرات الاقتصادية إضافة إلى اتباع سياسات مالية ونقدية رشيدة أهمها تحريرسعر صرف الجنيه، الذى أدى إلى زيادة الصادرات المصرية للخارج، والإصلاحات الضريبية التى زادت من إيرادات الدولة واعادت الثقة فى الاقتصاد المصرى من قبل مؤسسات التقييم الدولية مما سهل الحصول على قرض صندوق النقد الدولى بقيمة 12 مليار دولار بالإضافة إلى مليارات الدولارات من البنك الدولى والمؤسسات التنموية الاقليمية وارتفع معدل نمو الاقتصاد الي5,6 ٪ عام 2019 وزادت نسبة الاستثمارات العامة الخاصة لتصل إلى 923 مليار جنيه فى نفس العام وانخفض معدل البطالة إلى 7,5 ٪ كذلك تراجع معدل التضخم إلى 9,2 ٪ فى نفس العام وزادت إيرادات السياحة إلى 13,5 مليار دولار، وكل ذلك أدى إلى ارتفاع صافى احتياطى النقد الأجنبى إلى 45,5 مليار دولار عام 2019 وتم تحقيق فائض أولى بنسبة 2 ٪ من الناتج المحلى الإجمالى للعام المالى 2018/2019 وانخفض العجز الكلى حتى وصل إلى 8,4 ٪ خلال نفس العام وتقدمت مصر 47 مركزاً فى مؤشر شفافية الموازنة لتحتل المرتبة 63 فى تقرير التنافسية العالمية عام 2019، وتوالت الإشادات الدولية بالمؤشرات الاقتصادية فى مصر وعلى رأسها كل من صندوق النقد الدولى والبنك الدولى والفاينانشال تايمز وبلومبرج.
تحسن الإيرادات
بالإضافة إلى أن نجاح برنامج الإصلاح الاقتصادى وبعد نجاح البرنامج تحسنت إيرادات الدولة من قطاع السياحة وصلت إلى 12,6 مليار دولار وارتفاع حجم الصادرات المصرية إلى 29,3 مليار دولار وتحويلات المصريين بالخارج إلى 26 مليار دولار فى عــام 2019 كما ارتفع حجم الاحتياطى النقدى إلى 45 مليار دولار كما تحسنت المؤشرات الكلية للاقتصاد المصرى من ارتفاع معدل النمو إلى 5,6 ٪ وانخفاض نسبة العجز الكلى إلى 8,2 ٪، وانخفاض نسبة الدين العام كنسبة من الناتج المحلى الإجمالى إلى 90,5 ٪ وانخفاض معدل البطالة إلى 7,5 ٪ بفضل المشروعات القومية التى وفرت الآلاف من فرص العمل المباشرة وغير المباشرة.
كان عام 2019 نقطة فارقة فى صمود الاقتصاد المصرى أمام أزمة الكورونا وتداعياتها التى عصفت بكل المُخططات الاقتصادية العالمية ودفعت الاقتصاد العالمى لأزمة ربما تجاوزت خسائرها ما سببته أزمة الكساد الكبير من خسائر فى نهاية العشرينات من القرن الماضي، إلا أن ما قامت به مصر من احترافية فى التعامل مع الأزمة هو ما جعلها من أكبر دول المنطقة والاقتصادات الناشئة قُدرة على تلقى صدمة هذه الأزمة والتعامل معها وهو ما رصدته، وأشادت به العديد من المؤسسات الاقتصادية الدولية مروراً بأزمة الحرب الروسية-ا لأوكرانية، ثم الحرب على غزة وأحداث سوريا وكل ماتشهده المنطقة من تغيرات جيوسياسية لها أُثارها وتداعياتها على الاقتصاد، ولكن نجاح البرنامج الاقتصادى مكن الدولة من مواجهة تداعيات تلك الأزمات من خلال حزمة من الإجراءات والمحفزات وكذلك سياسات المالية والبنك المركزى ساهمت فى الابقاء على التصنيف الائتمانى وتوقعات صندوق النقد بتحقيق نمو، واستمرار العمل بالمشروعات القومية الكبرى يؤكد الدور القوى للدولة وعزمها على تحقيق التنمية لأن ذلك يدعم زيادة الإنتاج وتوفير السلع والمنتجات بالأسواق وتوفير فرص عمل.
تطورات ملحوظة
قال د.كرم سلام عبدالرءوف سلام، الخبير الاقتصادى فى مركز إيجبشن إنتربرايز للسياسات والدراسات الإستراتيجية – مصر، ورئيس قسمى الاقتصاد والتجارة الإلكترونية كلية العلوم الإدارية جامعة باشن العالمية انه منذ تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى المسئولية عام 2014، شهدت البلاد تطورات ملحوظة فى مجالات متعددة مثل الصحة، التعليم، والنقل والمواصلات، والبنية التحتية، إلى جانب الجهود الحثيثة للقضاء على العشوائيات، حيث كان النظام الصحى قبل عام 2014 يعانى من نقص شديد فى المستشفيات المجهزة والأطباء المدربين، ونسبة الانفاق على الصحة 1.5 ٪ من الناتج المحلى الإجمالى 2013وانتشار الأمراض المزمنة مثل فيروس «سي» بنسبة 12 ٪ من السكان، وبعد 2014 تمكنت حملة 100 مليون صحة من القضاء على فيروس «سي»، حيث انخفضت نسبة الإصابة إلى أقل من 2٪.، وبناء وتطوير 115 مستشفى حكومياً جديداً وفقًا للمعايير الدولية، وزيادة الانفاق على الصحة إلى 3 ٪ من الناتج المحلى الإجمالى 2023، وإدخال نظام التأمين الصحى الشامل، حيث تم تطبيقه فى 6 محافظات حتى الآن.
أضاف أنه فى قطاع التعليم قبل 2014 نظام تعليمى يعانى من ضعف البنية التحتية ونقص الموارد التكنولوجية، ومعدل الأمية بلغ 26 ٪ من السكان، وتصنيف مصر فى التعليم وفقًا لمؤشر التنافسية العالمية فى المرتبة 139 من أصل 140 دولة، وبعد 2014 زيادة الانفاق على التعليم إلى 4 ٪ من الناتج المحلى الإجمالى »2023، وإدخال نظام التعليم الرقمى «التابلت» لطلاب الثانوية العامة، وتطوير أكثر من 25 ألف فصل دراسى جديد، وبناء 4 جامعات أهلية و6 جامعات تكنولوجية، وانخفاض معدل الأمية إلى 18 ٪ عام 2023.
وفى قطاع النقل والمواصلات أوضح «د.سلام» انه قبل 2014 كانت شبكة الطرق غير مؤهلة وتفتقر إلى معــايير الســلامة، ومعــدل الحــوادث على الطرق 13 ألف حادث سنويًا 2013، ونظام السكك الحديدية قديم وغير متطور، اما بعد 2014 فكان المشروع القومى للطرق وإنشاء وتطوير 7 آلاف كيلومتر من الطرق الجديدة، وانخفاض حوادث الطرق بنسبة 40 ٪ فى 2023، وتطوير شبكة مترو الانفاق وتدشين الخط الثالث والرابع -بدء تشغيل القطار الكهربائى السريع والمونوريل، وتحديث 705 كيلومترات من السكك الحديدية وإضافة عربات قطارات جديدة.
النبية التحتية
أشارت إلى أنه فى قطاع العشوائيات وتطوير البنية التحتية، 2014 كان هناك أكثر من 1100 منطقة عشوائية خطرة تسكنها 16 مليون نسمة، وافتقار المناطق العشوائية إلى خدمات أساسية كالمياه والكهرباء والصرف الصحي، ولكن بعد 2014 كان مشروع القضاء على العشوائيات وتم إعلان مصر خالية من المناطق العشوائية الخطرة فى 2021، وبناء أكثر من 300 ألف وحدة سكنية فى مشروعات مثل «الأسمرات» و«بشائر الخير» وإنشاء المدن الجديدة مثل العاصمة الإدارية والعلمين الجديدة والمنصورة الجديدة، ومضاعفة الانفاق على البنية التحتية ليصل إلى 400 مليار جنيه سنويًا.
القطاع الزراعي
أضاف أنه فى قطاع الزراعة قبل 2014 كانت مساهمة القطاع الزراعى فى الناتج المحلى الإجمالى بلغــت حــوالى 14 ٪ ومساحة الأراضى الزراعية 8.5 مليون فدان 2013، وإنتاج الحبوب لم يكن كافيًا لتغطية الاحتياجات المحلية، مما أدى إلى زيادة الواردات، والبنية التحتية للرى تعانى من الاهمال، ونسبة فقد المياه وصلت إلى 40 ٪، وبعد 2014 وتولى الرئيس السيسى المسئولية كانت البداية بإضافة 1.5 مليون فدان جديدة للرقعة الزراعية، فى إطار خطة لدعم قطاع الزراعة من خلال التوسع الأفقى فى الرقعة الزراعية، تمثلت فى العمل على إضافة 4 ملايين فدان حتى عام 2030، لتصبح مساحة الــرقعــة الزراعية 13.7 مليون فدان، بعدما كانت 9.2 مليون فقط قبل عام 2014، وكذلك زيادة إنتاجية المحاصيل الزراعية مثل القمح، حيث وصل الإنتاج إلى 10.8 مليون طن عام2023 مقارنة بـ8.5 مليون طن 2014، وتطوير شبكات الرى الحديث لتقليل نسبة فقد المياه وتحسين كفاءة استهلاكها، وتعزيز الصادرات الزراعية التى تجاوزت 5.5 مليون طن سنويًا 2023، وإنشاء الصوامع الحديثة لتخزين الحبــوب بسعــة تصل إلى 3.6 مليون طن، مقارنة بـ1.2 مليون طن فقط قبل 2014.
دعم الصناعة
أما فى قطاع الصناعة أوضح «د.كرم» انه قبل 2014 كانت مساهمة الصناعة فى الناتج المحلى الإجمالى حوالى 15 ٪ وتراجع أداء المدن الصناعية، وارتفاع معدلات البطالة بين العاملين فى القطاع، والاعتماد الكبير على الواردات لتلبية احتياجات السوق المحلية، وبعد 2014 كانت المبادرات الصناعية الكبرى مثل مبادرة «ابدأ» لدعم الصناعة المحلية وتحفيز المشروعــات الصغيــرة والمتوسطة، وإنشاء أكثر من 15 منطقة صناعية جديدة، من بينها مجمعات صناعية متخصصة مثل مجمع الروبيكى للجلود، وزيادة مساهمة القطاع الصناعى فى الناتج المحلى الإجمالى إلى 18 ٪ عام 2023، وتعزيز الصادرات الصناعية وسجلت مصر صادرات صناعية بقيمة 35 مليار دولار فى 2023 مقارنة بـ22 مليار دولار فى 2014، وكذلك تطوير صناعة السيارات الكهربائية محليًا وافتتاح مصانع جديدة.
تابع ان قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات قبل 2014 كانت البنية التحتية للإنترنت تعانى من بطء السرعات وسوء الخدمات، ومساهمة القطاع فى الناتج المحلى الإجمالى أقل من 2 ٪. وضعف الاستثمارات الأجنبية فى تكنولوجيا المعلومات، وبعد 2014 كان مشروع التحول الرقمى واطلاق منصة «مصر الرقمية» لتوفير الخدمات الحكومية إلكترونيًا، وزيادة سرعة الإنترنت ومتوسط سرعة الإنترنت الأرضى قفز إلى 46.8 ميجابت/ثانية «2023» مقارنة بـ2 ميجابت/ثانية «2014»، ومضاعفة مساهمة القطاع فى الناتج المحلى الإجمالى إلى 5 ٪ «2023»، وجذب استثمارات أجنبية بقيمة 2.5 مليار دولار سنويًا فى مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وإنشاء مدن ذكية مثل العاصمة الإدارية الجديدة والعلمين الجديدة، وتطوير البنية التحتية التكنولوجية بها، وزيادة عدد الشركات الناشئة فى مجال التكنولوجيا إلى أكثر من 1,600 شركة مقارنة بـ500 شركة فقط فى 2014.