يبسطُ القاص المغربي أنيس الرّافعي أطروحاته الذاتيّة و تصوّراته الخاصّة لبعض قضايا القصة القصيرة و آفاقها المستقبليّة كنص مفكّر في كتاب جديد بعنوان: ” المِعْرَاجُ السَّرْدِيُّ” صدر عن دار خطوط وظلال الأردنية ( ط1، 2025 ) “و يعرضُ فيه الرافعي دعوته الملحَّة والمتكررة لخلق “مؤسّسة للقصة القصيرة” و يضمُّ الكتاب بين طيّاته تجميعا لبعض حوارات الكاتب و شهاداته النظرية التأمُّلية ، تلك التي تراكمت لديه خلال العامين الأخيرين، عقب فوزه بجائزة الملتقى للقصة العربيّة القصيرة بالكويت في دورتها الخامسة .
،ويأتي صدور الكتاب استمرارا لدفاع أنيس المتواصل إبداعا وتنظيرا عن هذا النوع ” النباتيّ ” المستضعف، و التصدّي لمحاولات ” التهامه ” من لدن الأجناس الأدبيّة ” اللاّحمة” المستقويّة . ينادي بخلق دفتر تحمّلات جماليّ قادر على مطاردة اللاّمرئيّ و الفراغ و الصَّمت ، و كذا تعلُّم الكتابة بالمرقاش، و استيعاب إضبارة الحكَّاء و كرَّاسة الفنّان و فقه الصنعة و شامانيّة المتخيّل ، وغيرها من القضايا التي تشغل ذائقة قاص تجريبيّ متمرّس، يعكف على مشغله الإبداعيّ المغامر، من أجل إنتاج سردٍ ثقافيّ لاتخوميّ ، و خرائطيّة أدبيّة مرتحلة بين الأنواع والسجلاّت و المرجعيّات .
وعلى ظهر الغلاف الرابع لكتاب ” المعراج السّرديّ” ، نقرأ المقطع التالي : ” انتبه السَواد الأكبر من القصاصين إلى كون منجزهم هو عبارة عن أعمال أدبيّة ذات أبعاد حرفيّة أو تقنويّة خالصة. أعمال غير ناجزة على نحو وثوقيّ ، في طور الانعتاق من رواسب المعيار والفطرة ، ومن مختبر التصوّرات المسبقة ، الشبيهة بتقليم وتحذيّة حوافر الكتابة القصصيّة. إذ أنّ أي تبعيد أو نفي للصنعة ، يفضي بالضرورة إلى إفقار و إجداب أسلوبيّة الجنس القصصيّ. وبموجب هذا الطرح العَالِمِ صارت القصة القصيرة صناعة تقليديّة داخل المجمع التجاريّ العملاق للأدب. حرفة ذات أسرار ونواميس، طقوسها نبراس في السرائر لا قوانين معلنة على الملإ . فقه خياليّ ينضبط لأحكام شبه دقيقة ، و لمسائل شديدة الغموض . شرعة جوانيّة قبل أن تكون مظهرا ، ومنظومة إشراقيّة قبل أن تكون حادثة أدبيّة. ومتى ترسّخت هذي الصنعة و تأصّلت ، انتقلت إقامتها من المُجَمَّع التجاريّ إلى حجرة التفكيك الخاصّة بالمؤلّف ، حيث الامكانات لامحدودة، من أجل استقصاء الأصناف ، و تجريب الاحتمالات : قصة ما قبل النوع ، قصة النوع ، قصة عبور النوع ، قصة ما وراء النوع ، قصة ما بعد النوع ، وقصة اللاّنوع” . وتجدر الإشارة إلى أنَّ أنيس الراّفعي ؛ كاتب مغربيّ مخلص لفن القصة القصيرة ، عُرف باشتغاله على افتراضات التجريب، و تجربة التخوم مع الفنون الموازيّة. يمتلك في رصيده الإبداعيّ 30 كتابا . حاصل على جائزة ” ناجي نعمان ” الكبرى للاستحقاق الأدبي (2008) ، وعلى جائزة ” غوتنبيرغ ” الدوليّة للكتاب (2013)، وعلى جائزة ” أكيودي ” الصينيّة (2014)، و على الجائزة الكبرى لشبكة القراءة في المغرب (2022) . فاز بجائزة الملتقى للقصة العربية القصيرة بالكويت (2023) . ترجمت نماذج من أعماله إلى الفرنسيّة والإنجليزيّة والبرتغاليّة و الإسبانيّة و الصربيّة والفارسيّة واليابانيّة