تعتبر قضية المياه فى مصر مسألة حيوية ترتبط ارتباطًا وثيقًا بحياة الشعب المصري. نهر النيل، الذى يمثل المصدر الرئيسى للمياه فى البلاد بنسبة تتجاوز 98 ٪، هو شريان الحياة الذى يمد ملايين المصريين بما يحتاجونه من مياه عذبة. وفى ظل التحديات المتزايدة التى تواجه العالم، أصبح من الضرورى أن تضع مصر قضية المياه على رأس أولوياتها، مما يعكس فهمًا عميقًا لأهمية هذه القضية.
خلال كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسى فى النسخة السابعة من «أسبوع القاهرة للمياه»، أكد على الالتزام المصرى العميق بهويتها الإفريقية. لقد أظهرت مصر من خلال رئاستها الحالية لمجلس وزراء المياه الأفارقة أنها تسعى لتعزيز التعاون الإقليمى ودعم جهود الدول الأعضاء لتحقيق أهداف التنمية المستدامة. وهو ما يعد خطوة مهمة نحو ضمان الاستخدام المستدام للموارد المائية فى قارة إفريقيا التى تواجه تحديات هائلة بسبب تغير المناخ والتوزيع غير المتكافئ للمياه.
فى السياق نفسه، يجب التأكيد على ضرورة تعزيز التعاون الدولى فى مجال إدارة الموارد المائية. إن إنشاء مشروعات مثل حفر الآبار وتأهيل الموانئ فى دول حوض النيل يعكس إرادة مصر القوية فى دعم جيرانها، والعمل على تحقيق الأمن المائى للجميع. هذا التعاون ليس مجرد واجب أخلاقي، بل هو استثمار فى مستقبل أفضل لكافة شعوب المنطقة.
لكن الأمر لا يقتصر على التعاون الإقليمى فقط، بل يجب على المجتمع الدولى أيضًا زيادة دعمه لجهود الدول الإفريقية فى مجال المياه. ان هذا الأمر يتطلب توفير التمويل والتكنولوجيا اللازمة لتطبيق المشاريع التى تهدف إلى تحقيق الأمن المائى والتنمية المستدامة. المياه ليست مجرد مورد، بل هى حق لكل إنسان على وجه الأرض، ويجب أن تكون قيمتها فى الأجندة الدولية.
علاوة على ذلك، يجب وضع اتفاقيات تلتزم بالمبادئ الأساسية للقانون الدولى للمياه، لتعزيز التعاون العابر للحدود وضمان الإدارة المستدامة والعادلة للموارد المائية المشتركة. المبادئ الأساسية تشمل الاستخدام العادل والمنصف، والالتزام بعدم التسبب فى الضرر، والإخطار المسبق، والتشاور بين الدول المتشاطئة. وجود رؤية مشتركة وإدارة مستدامة ضروريان لضمان حقوق جميع دول الحوض.
تقرير حديث من الأمم المتحدة حول التعاون فى المياه العابرة للحدود يظهر أن نسبة التعاون فى هذا المجال تصل إلى 59 ٪ فقط، مما يبرز الحاجة الملحة لمزيد من الالتزام السياسى والعمل. كما ان الأدلة التاريخية تؤكد أن التوصل لاتفاقيات بشأن المياه المشتركة غالبًا ما يتطلب مفاوضات طويلة وشاملة، كما هو الحال مع منظمة تنمية حوض نهر السنغال واللجنة الدولية لحماية نهر الراين.
ان تعزيز التعاون العابر للحدود هو ركيزة أساسية فى سياسة مصر المائية، حيث لعبت مصر دورا فى تأسيس مبادرة حوض النيل (NBI) فى عام 1999، ولكن مصر علقت مشاركتها فى الأنشطة الفنية لمبادرة حوض النيل فى عام 2010؛ بسبب الانتهاك لقواعد وآلية اتخاذ القرار، والتى تعتمد على الإجماع.
لذلك لابد من العودة إلى المبادئ التعاونية التى أنشئت على أساسها المبادرة، والرفض القاطع للإجراءات غير التعاونية والأحادية والمتمثلة فى إنشاء السد الإثيوبى دون الالتزام بتطبيق قواعد القانون الدولى وتجاهل المبادئ الأساسية للتعاون، خاصة مبدأ التشاور وإجراء دراسات تقييم الأثر الاجتماعى والاقتصادى والبيئي، وهو ما قد يتسبب فى حدوث أضرار جسيمة.
يجب أن ندرك أن إدارة المياه هى قضية وجود، تتطلب التزامًا سياسيًا قويًا، وجهودًا دبلوماسية فعالة، وتعاونًا مستمرًا مع الدول الشقيقة. نهر النيل هو رمز للحياة فى مصر، ويجب أن نعمل جميعًا من أجل الحفاظ عليه وتأمين مستقبله. إن المياه ليست فقط مصدرًا للحياة، بل هى أساس كل تقدم وتنمية، ويتوجب علينا أن نحمى هذا المورد الثمين لضمان استدامته للأجيال القادمة.