الحب يطيل العمر ويقصفه.. يقوى القلب ويضعفه.. هذه هى الحقيقة التى يعرفها كل من «كابد» تجربة الحب الملتهب.. يشهد عليها قيس بن الملوح الذى سلبه الحب عقله وحوله إلى أشهر مجنون فى التاريخ العربي.. وجسدها الانتحار الدرامى لروميو وجوليت.. ويشهد عليها أيضا روميو العصر المواطن الإيطالى الذى مات حبا أو مات بسبب الحب أو قتله الحب.. ولذلك قصة تفوق فى تأثيرها ما جادت به قرائح الشعراء وأبدعته أنامل الأدباء.. هى بالتأكيد قصة تستحق التأمل لحالة حب أصبحت نادرة، فى زماننا الذى اختلطت فيه المفاهيم، وتداخلت المعاني، فأصبحنا لا نفرق بين الحب والاشتهاء.. بين المشاعر الرومانسية التى تذوب رقة ونعومة وبين الرغبة المدمرة.
هى قصة حب غير عادية.. زوج وزوجة يعيشان معا فى تآلف.. يعيشان حالة عشق دائم.. هو يرى الوجود بعينيها وفى عينيها وهى تعيش الحياة بأنفاسه.. كم عاشا على هذا الحال؟.. سنوات طويلة لا يهم عددها.. ما يهم هو أن الحب لم يفتر والجذوة لم تنطفئ والمشاعر لم تخب.. وفجأة توالت الأحداث الدرامية الحزينة.. أصيبت الزوجة ــ وهى ممرضة سابقة ــ بجلطة فى الدماغ وقبل أن تنقل إلى المستشفى كانت قد دخلت فى غيبوبة.
عاش الزوج الإيطالى أياما عصيبة.. لم يفارق غرفتها ابدأ.. كان يراقب أجهزة التنفس الصناعى والأسلاك العديدة المتصلة بجسمها النحيل الممدد على فراش غرفتها فى العناية المركزة غير مصدق.. ستعود حتما.. سيملأ صدى صوتها أركان البيت.. ولكن الانتظار طال.. والأيام توالت ثقيلة بطيئة حزينة.. وعندما طالت غيبوبتها.. أيقن أنها لن تعود.. وأدرك أنه لن يستطيع الحياة بدونها.. وقرر أن يسبقها إلى العالم الآخر ليكون فى انتظارها.. انتحر الزوج الإيطالى بعد أن تملكه الإحباط واليأس.. استنشق الغازات المنبعثة من سيارته فى مرآب منزلهما حتى الموت.. وتبلغ المأساة ذروتها عندما تفيق الزوجة من الغيبوبة الطويلة جدا بعد ساعات من انتحار زوجها لتبحث عنه ولا تجده فى انتظارها.. هل ستلحق به الزوجة.. هل ستقاوم الحياة التى عادت فجأة إليها؟.. لا أحد يعرف.. فهى استمرت تحت تأثير المطمئنات والمهدئات والمفرحات والمبهجات الكيميائية لفترة طويلة.. وآخر ما نشر عنها أنها حتى وقت النشر غير قادرة على اتخاذ القرار.. ووسائل الإعلام توقفت عن متابعة القصة احتراما لرغبة الزوجة المكلومة.
بالنسبة للعلماء فإن ما حدث للعاشق الإيطالى مجرد خلل فى الهرمونات، اضطراب فى الموصلات العصبية.. وبالنسبة لنا مشاعر نبيلة تضخ دماء الحياة فى شرايين الحب التى أصابها التصلب.. بالنسبة لهم تفاعل كيميائى غير منضبط، معادلة غير دقيقة.. وبالنسبة لنا هذا هو الحب.. فرح وحزن، بهجة وألم، لقاء وفراق.. ذكريات عزيزة وأوجاع لذيذة.
وماذا يقول علماء الحب المختبرى ودارسو غرام الأرانب والفئران، الذين اكتشفوا أن هرمونات الحب تطيل العمر، عن السيدة الهندية التى أحبت فانتحرت لتقدم واحدة من أعظم وأروع قصص الحب فى التاريخ.. انكسر قلب هذه السيدة البسيطة عندما اكتشفت أن ابنيها يعانيان من العمي.. طلبت من الأطباء نزع عينيها لزرعهما للابنين، أكدوا لها أن ذلك لن يعيد لهما الإبصار.. لم تصدق.. تصورت أن الأطباء يشفقون عليها.. يرفضون نزع عينيها لأسباب أخلاقية أو إنسانية.. قررت أن تعفيهم من هذا الحرج.. قتلت نفسها حتى يصبح استخدام عينها مسموحا به ومشروعا فى العرف الطبي.. ضحت بحياتها من أجل أن تضيء حياة فلذتى كبدها.. وبكى الكثيرون الأم المسكينة عندما أكد الأطباء أن تضحيتها كانت بلا ثمن.