فى ضوء التأثيرات الاقتصادية الراهنة وضمن جهود الدولة للحد من آثار التضخم على المواطنين والعمل على استقرار الأسعار وتوفير النقد الأجنبى لحل مشكلة النقد الأجنبى الحالية وتصحيح المسار للاقتصاد المصري، تسعى الدولة إلى جذب العديد من الاستثمارات الخارجية المباشرة لتحقيق ذلك وإعادة بناء الدولة المصرية تنفيذا لتوجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسى رئيس الجمهورية.
أكد الدكتور مصطفى مدبولى انفتاح الدولة المصرية تماما على الاستثمار الأجنبى المباشر، وترحيبها المستمر بمختلف المشروعات لتنفيذها فى أكثر من مكان، وأكثر من مجال على أرض مصر، مشيراً إلى أن مثل هذه المشروعات توفر تنمية متكاملة تحقق العديد من الأهداف منها، تعمير الأراضي، وإتاحة المزيد من فرص العمل للشباب، ووجود استثمارات تنمى من معدلات الاقتصاد المصري، فضلا عن دور مثل هذه المشروعات فى تحقيق العوائد والاستفادة للمستثمرين.
وفى ضوء الجهود الحالية للدولة المصرية لجذب الاستثمار الأجنبى المباشر، تعتبر الشراكة التى تم توقيعها بين جمهورية مصر العربية ودولة الإمارات العربية المتحدة لتنفيذ مشروع تطوير وتنمية مدينة رأس الحكمة على الساحل الشمالى الغربي، والتى شهد توقيعها الدكتور مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء، أكبر صفقة استثمار اجنبى مباشر فى تاريخ مصر من خلال شراكة استثمارية، بين وزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، ممثلة فى هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، و»شركة أبوظبى التنموية القابضة» بدولة الامارات حيث أكد رئيس الوزراء على أن مشروع تنمية مدينة رأس الحكمة يأتى فى إطار مخطط التنمية العمرانية لمصر لعام 2052، الذى وضعته الدولة المصرية، وتم البدء فى تنفيذه منذ بدء تولى الرئيس عبدالفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، المسئولية؛ حيث تم العمل على هذا المشروع العملاق بهدف تنمية الدولة بأكملها وخلق وإنشاء «الجمهورية الجديدة».
وينفذ هذا المشروع بنفس الآلية التى تعتمد عليها الدولة، مُمثلة فى هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، مع جميع المطورين والقطاع الخاص؛ حيث يتم تخصيص قطعة أرض للمُطور، وتحصل الدولة مقابلها على مُقدم نقدي، ويكون لها حصة من أرباح المشروع لتعظيم أصول الدولة وهذا المشروع هو الأضخم على الإطلاق، ويمثل مدينة كاملة، وهى «رأس الحكمة الجديدة» التى ستصل مساحتها إلى 170.8 مليون متر مربع أى أكثر من 40 ألفًا و600 فدان كما ستقوم شركة أبوظبى التنموية القابضة بتأسيس شركة باسم «رأس الحكمة» لتكون شركة المشروع القائمة على تطويره، وستكون شركة مساهمة مصرية.. وهذا المشروع لا يمثل بيعا للأصول وإنما شراكة، نحصل بمقتضاها على جزء من المبلغ فى البداية، وسنشارك المطور طوال مدة المشروع بنسبة من الأرباح، وهذا من أعظم الطرق لتعظيم الاستفادة من أصول الدولة.
التنمية فى كافة المجالات
وسيتضمن المشروع أحياء سكنية لكل المستويات، وفنادق عالمية على أعلى مستوي، ومنتجعات سياحية، ومشروعات ترفيهية عملاقة، بالإضافة إلى جميع الخدمات العمرانية، مثل المدارس والجامعات والمستشفيات والمبانى الإدارية والخدمية، وكذا منطقة حرة خدمية خاصة تحتوى على صناعات تكنولوجية وصناعات خفيفة وخدمات لوجستية لخدمة المدينة، فضلاً عن إنشاء حى مركزى للمال والأعمال من أجل استقطاب الشركات العالمية لتكون موجودة فى هذه المدينة.
كما ستحتوى المدينة على مارينا دولية كبيرة لليخوت والسفن السياحية الموجودة فى البحر المتوسط، كى تستفيد منها، بالإضافة إلى تطوير وإنشاء مطار دولى جنوب المدينة، حيث سيتم تخصيص قطعة أرض لوزارة الطيران المصرية، ومن خلال استخدام قانون التزام المرافق العامة الذى يتم التعامل به فى الدولة المصرية سيتم التعاقد مع شركة أبوظبى التنموية لتطوير وتنمية المطار، ويكون للدولة المصرية حصة من عوائد هذا المطار، وبالتالى ستكون هناك تنمية متكاملة فى كل المجالات، وستكون هذه المدينة عالمية على أعلى مستوى وتستقطب ما لا يقل عن 8 ملايين سائح إضافى يفدون إلى مصر مع اكتمال هذه المدينة العملاقة.
35 مليار دولار خلال شهرين
وفيما يتعلق بالشق المالي، فالصفقة التى تم إبرامها تتضمن شقين الأول جزء مالى يتم سداده كمقدم، وجزء آخر عبارة عن حصة من أرباح المشروع طوال فترة تشغيله تخصص للدولة، والجزء المالى سيتضمن استثمارا أجنبيا مباشرا يدخل للدولة المصرية فى غضون شهرين بإجمالى 35 مليار دولار، على دفعتين، الأولى خلال أسبوع بإجمالى 15 مليار دولار، والدفعة الثانية بعد شهرين من الدفعة الأولى بإجمالى 20 مليار دولار وسيتم استخدامها فى حل أزمة السيولة الدولارية الموجودة حاليا.
وحول تفاصيل الدفعتين، فإن الدفعة الأولى المتضمنة لـ 15 مليار دولار، ستكون مقسمة إلى 10 مليارات دولار تأتى سيولة من الخارج مباشرة، بالإضافة إلى تنازل دولة الإمارات أو الحكومة الممثلة فى شركة أبوظبى القابضة، عن جزء من الودائع الموجودة بالبنك المركزى المصرى بقيمة 5 مليارات دولار، وسوف يتم تحويلها من دولار إلى جنيه مصرى حتى يتم استخدامها من قبل شركة أبوظبى التنموية وشركة المشروع فى إنشاء المشروع، ومن ثم، بهذا يدخل الدولة استثمار أجنبى مباشر بإجمالى 15 مليار دولار والدفعة الثانية ستكون بعد ذلك بشهرين حيث سيتم دخول 20 مليار دولار، عبارة عن 14 مليار دولار تأتى سيولة مباشرة، بالإضافة إلى الجزء المتبقى من الودائع الذى يمثل 6 مليارات دولار، وبهذا يكون هناك 24 مليار دولار سيولة مباشرة، بالإضافة إلى 11 مليار دولار كودائع سيتم تحويلها بالجنيه المصري، لاستخدامها فى تنمية المشروع كما أنه سيكون للدولة المصرية 35٪ من أرباح المشروع.
بذلك سيكون هناك حجم كبير من الأموال والنقد الأجنبى سيتدفق إلى مصر جراء الصفقة، مما سيسهم فى حل أزمة السيولة الدولارية التى نشهدها، وبالتالى تحقيق الاستقرار النقدي، ومن ثم كبح جماح التضخم وخفض معدلاته، حيث إن هذه الصفقة توفر القدر الكافى من العملة الأجنبية للدولة المصرية حتى نتجاوز هذه الأزمة، وتكون بداية جديدة للاقتصاد المصرى فى ظل الأزمة العالمية غير المسبوقة التى تواجهنا.
ومن خلال خطة الإصلاحات الهيكلية التى تقوم بها الدولة، فإن هذه الصفقة ستساعد أيضًا فى القضاء على وجود سعرين للعملة فى السوق المصرية، كما أنه فى ظل حجم الاستثمارات المُمثل فى ذلك المشروع الضخم سيتم خلق ملايين من فرص العمل؛ حيث تحتاج مصر إلى أكثر من مليون فرصة عمل جديدة سنويًا؛ لذا تحتاج الدولة إلى تكرار مثل تلك المشروعات.
توفير فرص عمل وجذب السياحة
وبخلاف هذه الأموال، يتوقع الجانب الإماراتى استثمار ما لا يقل عن 150 مليار دولار، سيتم ضخها طوال مدة تنفيذ المشروع لتنمية مدينة رأس الحكمة، بجانب استمرار الاستثمارات الأجنبية المباشرة طوال مدة المشروع والتى سيتم تحويلها للجنيه المصري، وأن الشركات المصرية هى التى ستعمل فى إنشاء وتطوير هذه المدينة الكبري، بما فى ذلك شركات المقاولات والتطوير العقارى والشركات اللوجستية، كما أن المصانع المصرية هى التى ستكون مُكلفة بتوفير المواد الخام، ومدخلات الانتاج مما يوفر ملايين من فرص العمل التى ستتاح أثناء إنشاء المدينة وبعد إنشائها وتشغيلها للشباب المصرى والشركات العاملة فى قطاع المقاولات.
كما أنه من المتوقع ألا يقل حجم التدفق السياحى على هذه البقعة عن 8 ملايين سائح بل ربما أكثر وبوجود مثل هذه النوعية من المشروعات سيتم تحقيق حلم أن يأتى إلى مصر 40 أو 50 مليون سائح.. فهذا المشروع من شأنه وضع مصر على خريطة السياحة العالمية وضمان السياحة كمصدر مستدام للعملة الأجنبية.