«محدش هيحمى البلد دى غير شعبها».. هذه عبارة قالها الرئيس عبدالفتاح السيسى أكثر من مرة، وكررها بمعنى آخر، ليس الجيش أو الشرطة فحسب من يحمى هذا الوطن، ولكن الشعب هو اللى هيحميه.. كلما قرأت هذه العبارات أدركت معانيها، ورسائلها ومضمونها، وعلاقتها بما يدور من حولنا من أحداث وصراعات، إقليمية ودولية وما تتعرض له مصر من حملات مكثفة لا تتوقف بترويج الأكاذيب والشائعات والتشكيك والتشويه بهدف اختراق العقل المصرى بالوعى المزيف، واحتلال هذا العقل، وتوجيهه بما يحقق أهداف قوى الشر، وتحريضه على التدمير والتخريب ومحاولة إسقاط الوطن، خاصة أنه لا يوجد مسار آخر أمام أعداء مصر سوى الرهان على محاولات تزييف وعى المصريين، فى ظل قوة وقدرة مصر وكونها تملك أقوى جيش فى المنطقة، وأحد أقوى الجيوش فى العالم يتمتع بأعلى درجات الجاهزية والكفاءة والاستعداد القتالي، ولديه قدرة فائقة فى حماية حدود مصر من كافة الاتجاهات الاستراتيجية، ومقدرات الوطن، وأرضه، وبالتالى فإن محاولات الصدام أو العدوان على مصر فى حسابات أعدائها خاسرة ولن تفلح، وبالتالى فإن الرهان الآن هو استخدام نوع مختلف وجديد من الحروب، وهى تركز على عقل ووعى الشعب، ومحاولة تفكيك التماسك والاصطفاف، وتزييف الوعي، وإضعاف ثقة المواطن فى قيادته ووطنه، ونشر الإحباط واليأس، وهنا يجب أن يعلم المواطن المصرى أنه هو هدف أعداء الوطن، يريدون جره إلى تدمير وإسقاط وطنه، من هنا أيضاً نلمس أن حملات الأكاذيب والشائعات والتشكيك لا تتوقف، تضخ سمومها فى محاولة لاختراق العقل المصري.
الرئيس عبدالفتاح السيسى قالها أكثر من مرة «نحن قادرون على مجابهة أى تهديد خارجى لكن المهم أن نكون على قلب رجل واحد، مشيراً بقبضة يده» وهذا المعنى يحمل رسائل كثيرة أن الحرب الآن تدار على عقول ووعى المصريين ومحاولة تزييف وعيهم.. من هنا دائماً يؤكد الرئيس السيسى أهمية بناء وعى حقيقي، وفهم صحيح.
اللواء دكتور سمير فرج المفكر الاستراتيجى فى مقاله بعنوان «حروب الجيل الرابع والخامس» بجريدة المصرى اليوم السبت الماضى به معنى مهم للغاية فى سياق هذا المقال، أثار لديَّ الكثير من المعانى عن دور الشعب فى حماية الوطن.. يقول: عندما نشبت حرب الخامس من يونيو 1967 بين مصر وإسرائيل حققت إسرائيل نصراً على مصر وتم تدمير حوالى 80 ٪ من أسلحة وعتاد الجيش المصري، ولكن هل بعد الهزيمة سقطت الدولة المصرية؟.. الإجابة كانت لا.. لأن الشعب المصرى خرج وأعاد الرئيس جمال عبدالناصر إلى الحكم بعد أن قدم استقالته، كما دعم الشعب المصرى الجيش وسانده، ومن هنا أصبح الفكر الجديد فى الحروب أن إسقاط الدول ليس ضرورياً بالمدفع والدبابة والطائرة بل بهزيمة الشعب من خلال التأثير على فكره بهذه الحرب الجديدة ليفقد الثقة فى حكومته وإدارته وجيشه.. إلى هنا انتهت عبارة الدكتور سمير فرج من مقاله المهم وهو ما يعنى أنه رغم الهزيمة العسكرية الكبيرة، وتنحى القيادة السياسية، الدولة لم تسقط، وذلك بسبب وعى وإرادة الشعب المصرى آنذاك وإصراره على تحقيق النصر والثأر، لذلك فإن هذا الوعى والإرادة الصلبة، منعت الدولة من السقوط، وهيأت وساهمت فى تحقيق النصر العظيم فى ملحمة العبور العظيمة فى أكتوبر 1973، وهو ما يؤكد أن الشعب يؤدى الدور الأعظم فى حماية الوطن.
فى ظنى أن خطورة الحروب الجديدة أنها تستهدف الشعوب، بعمليات اختراق واحتلال للعقول وبما يسهل توجيه هذه الشعوب إلى ما يحقق أهداف قوى الشر، وهو ما حدث فى أحداث الربيع العربى المشئوم الذى جسد خطورة الحروب الجديدة، التى أسقطت دولاً دون تكاليف باهظة، ونجت مصر من هذا المخطط الخبيث، بفضل قوة وصبر وشرف جيشها الوطنى العظيم، ثم استرداد كثير من المصريين وعيهم الحقيقى وإدراكهم للمؤامرة لذلك انتفضوا فى ثورة عظيمة فى 30 يونيو 2013، حماها جيش مصر وعمل على إنفاذ إرادة هذا الشعب بعد خروجه بعشرات الملايين.
لا غنى لأى وطن عن الدولة الوطنية القوية ومؤسساتها، خاصة الجيش والشرطة، وتماسك واصطفاف ووعى الشعب، هذه المعادلة هى أساس بقاء وخلود واستقرار الأوطان، لكن فى هذا العصر، تبرز الأهمية القصوى لتماسك واصطفاف ووعى الشعوب خاصة الشعب المصرى العظيم الذى هو أحد أهم أسباب صناعة الأمجاد والأمن والاستقرار لهذا الوطن ولعل توجيه الرئيس السيسى الدائم التحية والتقدير والشكر للمصريين يعكس أهمية هذا الدور فى الحفاظ على الدولة المصرية فى مواجهة أعظم التحديات والتهديدات غير المسبوقة التى واجهت الدولة على مدار السنوات الماضية، ومازالت هذه التحديات تتصاعد فى ظل استهداف هذا الوطن، المحصن بالقوة والقدرة، لكن يواجه حرباً شرسة على عقول شعبه.
بطبيعة الحال أثبتت السنوات الماضية وما حملته من أحداث وتحديات، وتهديدات، أهمية وعى الشعب، وبالتالى تماسكه واصطفافه والتفافه خلف قيادته، التى عملت خلال عشر سنوات على بناء الدولة الحديثة التى ترتكز على مبادئ العدل والمساواة والنزاهة والشفافية وتكافؤ الفرص، والاعتدال والوسطية والمواطنة والحرب على الفساد، كل ذلك بدعم وعى الشعب ويزيد من قوة الولاء والانتماء، ويتبقى مواصلة العمل على بناء الوعى الحقيقي، والفهم الصحيح، والتواصل والحديث الدائم مع الشعب، وتبصيره وتعريفه وتوعيته بالتحديات وأسباب الأزمات، وأيضاً التهديدات التى تواجه الوطن والجهود التى تبذلها الدولة لحماية أمنها القومى وتلبية آمال وتطلعات المواطنين، وكذلك قيام كافة مؤسسات الدولة بدورها وواجبها فى توعية الناس وتوضيح الحقائق وتوفير البيانات والمعلومات وأيضاً لابد أن تكون هناك استراتيجية وطنية شاملة لبناء الوعى الحقيقى وليست مجرد جهود مبعثرة غير مترابطة بحيث تتحول عملية بناء الوعى إلى أسلوب حياة، وبفكر مؤسسي، وتربوى يخاطب جميع الفئات، منذ الصغر والطفولة إلى الشباب إلى الكبار.. والحفاظ على روح وإرادة الشعب متوهجة ويستطيع نائب رئيس الوزراء للتنمية البشرية قيادة هذا العمل، والوصول إلى استراتيجية وطنية فى هذا المجال تتضافر فيها رؤى وجهود خطط عمل الوزارات المختلفة، من الثقافة، والشباب والرياضة، والأوقاف، والتربية والتعليم، والتعليم العالي، ومؤسسات المجتمع المدني، والإعلام والفن، والدراما، والإبداع، هى فى النهاية حالة عامة وأسلوب حياة.
علينا أن نضع مبادئ هذه الاستراتيجية بقراءة عقول الأعداء، وماذا يخططون وكيف نحمى عقول الناس.
نحن فى حاجة إلى رؤية استراتيجية لبناء الوعى تتحول إلى أسلوب حياة يخلق حالة متوهجة من الاصطفاف وعدم الاهتمام أو الالتفات للأكاذيب المتواصلة.