لو أن لك صديقاً مخلصاً مقرباً أميناً يعرف كل شيء عنك، ومطلع على تربيتك وأخلاقك وعقيدتك قال أمامه البعض، إن صديقك فعل كذا وكذا، كذباً زوراً، هل يصدقهم، سيخبرهم بأن صديقه لا يفعل ذلك على الإطلاق، لأننى أثق فيه وفى أخلاقه، وأثق فيه كل الثقة.. إذن وعيك ومعرفتك بالإنسان الذى رافقته وعشت معه عن قرب جعلتك ترد بثقة أنه لا يمكن أن يفعل ما قالوه عنه، ثم تأكدت بنفسك بعدها أن صديقك لم يقترف أى شيء من هذه الأكاذيب والشائعات.
وفى مشهد آخر، جاءوك ليقولوا لك إن ابنك سرق مثلاً.. ماذا تفعل، وأنت الذى ربيته على الصلاح والشرف والصدق، ستقول ابنى لا يفعل ذلك أبداً دون أن تتحرى وتكشف الحقائق أنك على صواب وأن ابنك بريء براءة الذئب من دم ابن يعقوب لذلك من المهم، ترسيخ الوعى وبناء الثقة لدى المواطن المصري، وتكوين عقيدة بداخله تجعله لا يصدق أى شيء مسيء لبلده، ولا يلتفت للأكاذيب والشائعات وحملات التشكيك والتشويه حتى قبل أن يطلع على الحقائق، ويلجأ إلى المصادر الموثوق فيها، هذا هو الهدف الحقيقى الذى يجب أن نعمل عليه كدولة وطنية ومؤسساتها، بل وأسر ومجتمع مدنى وهذا هو الجدار الصلب الذى يحمى بشكل مستدام وعى الناس والوطن لذا وصلنا إلى هذه المرحلة والدرجة فإن ملايين الأكاذيب والشائعات لن تؤثر فينا، ولن ترى النور. ولن تعرف طريقها إلى عقل أو قناعة المواطن.
للأسف الشديد المواطن المصرى خلال العقود الماضية تعرض لإهمال شديد الوطأة فى بناء الوعي، وتشكيل لوجدان وبناء الشخصية، وحالة من التجريف والاستسلام للإسفاف والتسطح، وهو ما سمح لجماعات الظلام، وحملات وحروب والغزو الفضائي، والأفكار المستوردة والغريبة، لذلك نحتاج تنشئة وتأسيساً قطعنا فيه شوطاً لا بأس به فى زخم التحديات والمشاكل والأزمات المتراكمة التى ورثتها الدولة المصرية منذ العقود الماضية وبدأت طريق الإصلاح والبناء منذ 4102، وأولت عملية بناء الإنسان اهتماماً غير مسبوق.
بناء حالة الثقة، وترسيخ الوعى الحقيقى فى جيل شب على الفوضي، فمن عاصر 1102 وكان عمره 01 سنوات هو الآن فى عمر الـ 42 عاماً، وقس على ذلك، والأجيال التى تربت خلال العقود الماضية على الفراغ والتسطح والابتذال وسرعة تصديق الأكاذيب، لذلك بات لدينا تحد كبير وخطير، يحتاج حلولاً ورؤى قصيرة الأجل، وأخرى بعيدة الأجل وما قلته فى السطور الأولى من هذا المقال يحتاج إلى رؤية تستغرق سنوات تولى اهتماماً بالأجيال الجديدة، وتعالج الثغرات فى أجيال الشباب حتى تصل إلى المرحلة المستهدفة، والنتيجة المطلوبة بأن المواطن، فى كل ربوع البلاد، لا يأخذ ولا يصدق الأكاذيب والشائعات وحملات التشكيك والتشويه التى تحاول النيل من وطنه، والوقيعة بين شعبه وهز الثقة فى رموزه وقياداته، من هنا نحتاج أدواراً فاعلة ومؤثرة، وإحياء لدور كل مؤسسة فى هذا البلد منوطة بالتنشئة والتربية، يكون فى مقدمة أولوياتها، غرس العقيدة الوطنية فى العقل والوجدان المصرية، وبناء حائط الثقة الصلب.. الذى بدوره يجهض حملات الشر التى تستهدف الوطن.
الرؤية بعيدة وطويلة الأجل، عبارة منظومة متكاملة، فى الأدوار والمضمون تبدأ من الأسرة وهى نتاج طبيعى للمجتمع الذى نعيش فيه، ومن المهم أن تعلٍّم وتربى الأسر أبناءها على حب الوطن والثقة فيه بداية من قدسية الأرض، وفهم تاريخ مصر، وأمجادها وبطولاتها، وأنها أبداً لا تفرط ولا تتنازل عن شبر من أرضها أو حبة رمل من ترابها الوطني، ولا يفوتنا هنا الدور المساعد للأسرة هو الإعلام والدراما والسينما، حتى فى أعمال الأطفال والألعاب الإليكترونية، والأفلام التاريخية والوطنية، حتى فى الأغانى الوطنية، وتجسيد بطولاتنا عبر التاريخ، وتشجيع الأبناء على القراءة والمعرفة، وأن يتم استغلال فترات الأجازة الصيفية بشكل ومحتوى يحقق هذا الهدف، بالإضافة إلى دور المسرح المدرسي، وأن يشارك الجميع فى تجسيد الأعمال الوطنية، ثم الحوارات واللقاءات، والمناهج الدراسية ولنا حديث آخر فى هذا الأمر خاصة أنها تثقل كاهل التلاميذ فى المرحلة الابتدائية وهذه المناهج تسبق عمر وسن هؤلاء التلاميذ مما يجعل هؤلاء التلاميذ لا يعرفون شيئاً سوى الدراسة والتحصيل، على مدار الأسبوع والشهر والعام الدراسي.
فى ظنى أننا فى حاجة لتغيير الفكر فى بعض الوزارات، فمازالت التقليدية تطغى على التعاطى مع المستجدات من ندوات تقليدية وروتينية، وعدم وجود مشروع ثقافى وطني، وافتقاد للاستثمار الأمثل فى خطبة الجمعة، واللقاءات الدينية، والبرامج الدينية، التى باتت مقصورة على تفسير الأحلام والرؤى المنامية، والأدعية، والرد على تساؤلات الناس وهذا أمر جيد ولكن الأهم هو بناء سياق فكرى وسطى ومعتدل يدحض خطابات متطرفة وظلامية، ويفضح سلوكها الإجرامى ضد الوطن والإكثار من الحديث عن أهمية الأوطان والأرض فى الأديان والفداء والتضحية من أجلها، والحفاظ عليها، وحكم خيانة الأوطان واستهدافها بالأكاذيب والشائعات ومحاولات إلحاق الضرر بها وبوحدتها وتماسكها لصالح أعداء الوطن.
الرئيس عبدالفتاح السيسى على مدار السنوات الماضية منح التواصل مع الناس والشباب أولوية قصوي، سواء من خلال اللقاءات المباشرة أو غير المباشرة فى أحاديثه ومداخلاته خلال الأنشطة المختلفة.. وآخرها اجتماعه مع قادة القوات المسلحة من جيلى الوسط والشباب، وهو ما شكَّل ومازال بناء وعى حقيقى وأن نكون جميعاً فى مستوى واحد من الوعي، وما يواجه الوطن من تحديات لذلك لم أر منذ بدء العام الدراسى مسئولاً فى الحكومة ذهب إلى الجامعات المصرية المنتشرة فى كافة ربوع البلاد ليتحدث مع الشباب وهم فى أهم المراحل العمرية المستهدفة وهم من يستخدمون السوشيال ميديا، وأهم أهداف الحملات المعادية للأكاذيب، لماذا لا تذهب إليهم وتتحدث معهم بقلب وعقل مفتوح نتكلم فى كل شيء يواجه بلدنا تحديات، تهديدات، مخاطر، إنجازات، نجاحات، آمال وتطلعات، صعوبات وأزمات، ونفتح المجال لأسئلة الشباب وتكون ساحة للفكر وبناء الوعي، فالجامعات تجاوزت مرحلة التعليم، إلى التعليم والوعى أيضاً وأيضاً تنظيم زيارات ميدانية وشرح لما يدور حولنا على كافة الاتجاهات باستفاضة وأهداف ذلك وموقف وإجراءات ذلك، فى ظنى لا يكفى الرد على شائعة شائعة وهذا مهم، ولكن الأهم، تكوين وتشكيل جدار وقائى يجهض هذا السيل من الأكاذيب من خلال خلق حالة من نشر المعلومات والبيانات والحقائق، من كافة الوسائل، نحن لابد أن ندرك أننا نخوض حرباً، والعدو لا يستطيع اختراقنا عن طريق التصادم المباشر معنا لأننا بفضل الله ورؤية عظيمة أقوياء، لذلك لابد أن يفهم ويدرك ويعى المواطن أنه الهدف الذى يركز عليه العدو فى محاولة للتسلل إلى عقله وتزييف وعيه لتدميره هو نفسه ووطنه، ولدينا الأمثلة والنماذج كثيرة وما حدث فى الربيع العربى المشئوم.
وعلى المدى القريب نحتاج خلق حالة فى التواصل والحديث مع الناس فى كافة المواقع وبكل الطرق نحذر من أهداف الأكاذيب والشائعات حتى نخلق هذه الحالة.