ملاحظة مهمة وأراها جديرة بالبحث والدراسة من السادة المتخصصين فى علم النفس الاجتماعي، هذه الملاحظة تكررت أمامى كثيرًا وفى مناسبات عديدة حتى تحوّلت إلى ما يشبه الظاهرة، فمع كل تغيير حكومى أو تعديل وزارى أو اختيار القيادات العليا فى الهيئات العامة والمجالس النوعية المتخصصة نجد حالة انتشار لفيروس جديد – قديم أطلق عليه فيروس «الامتعاض»، ينشط بشده فى أوقات التغيير، فالمغادرون لمناصبهم اول المصابين بالامتعاض ويتبعهم الطامعون والطامحون والحالمون والمشتاقون والذين لم يصبهم الدور، فالمغادر غاضب أو حزين لأنه غادر الكرسى وكان يأمل أن يواصل إلى مالانهاية فى تحد لناموس الحياة وقواعد البشر، أما باقى الفئات الممتعضة فكان كل منهم يرى فى نفسه الأهلية والأولوية لتولى المنصب – أى منصب – ويبدأ التعبير عن الامتعاض بانتقاد المغادرين للقادمين، تبدأ الانتقادات مستندة إلى عناوين مهمة ومحترمة عن المصلحة العامة والرغبة « الصادقة لاختيار من يمكنه ادارة الملفات بنفس الكفاءة !، ثم تنزلق الانتقادات إلى بعض الأمور الشخصية التى يتضح معها ان الانتقادات السابقة التى بدت موضعية لم تكن كذلك بأى شكل من الأشكال، ثم يواصل فيروس الامتعاض الانتشار بفعل بشكل هيستيرى بين هؤلاء الذين يرون فى انفسهم ما لا يرونه فى غيرهم، ومن المفهوم ان لهؤلاء أصدقاء وأصحابًا ومريدين عبر وسائل التواصل الاجتماعى والعوالم الافتراضية فنجدهم يشاركون صديقهم فى مآساته التى نتجت عن تجاوزه فى ان يصبح مسئولاً بالهجوم على الشخصيات المرشحة أو التى تم اختيارها بالفعل مجاملة لصديقهم الذى كان قد أشاع بينهم انه قادم وبأنه قابل وناقش واستقر الأمر عليه ! الغريب ان المناصب – كل المناصب لا تدوم طويلا – والأغرب أن الناس كل الناس تعرف ذلك جيدا وكما نقول «لو دامت لغيرك ما وصلت إليك» ورغم كل ذلك نجد ان من يجلس على الكرسى يحاول ان ينسى تلك المسلمات ويسبح عكس ناموس الكون وقوانين الطبيعة، فهناك منصب يصلح شاغرا بانتهاء مدة شاغله أو الاستغناء عنه لأى سبب كان، فتجد مئات الطامعين فى هذا المكان وكل واحد من هؤلاء لا يرى احدا أحق بشغل المكان الشاغل من نفسه، لذلك فبعد كل حركة تغيير ستجد ارتفاعاً فى نسبة «الممتعضين»، وهذا يحتاج كما قلنا فى البداية دراسة نفسية اجتماعية، وهنا أتساءل بصدق ودون امتعاض، هل صادفت فى حياتك شخص ينتقد نفسه ؟ وهل ناقشت احدهم ووجدته يعدد لك أسباب تقصيره فى مهمته والعائدة لضعف امكانياته ؟ وهل وجدت شخصاً ما فى حياتك بطولها وعرضها يقول لك بأنه «ان قدرات محدودة» ويتمتع ببعض الاباء والكثير من الحماقة والرعونة ؟ هل وصلت لهذا الشخص الملائكى المجرد الذى يقول لك إنه غير مناسب لمنصب ما عرض عليه ؟ وهل مررت بأحدهم وهو يحكم على الأمور بتجرد تام ولا يأبه لسياط الناس ومقولاتهم؟ بيد أن سلوك الممتعضين يحتاج تتبعًا لمعرفة أسبابه الحقيقية والتى سيغلب عليها – فى تقديرى الطابع النفسى – فهناك من يكره ويحقد ويحسد متبرعا ودون سبب موضوعي، وهناك من يرى الناس – كل الناس – من منظوره الضيق المريض الذى يعانى من سوء تقدير لكل الآخرين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم ولله فى خلقه شئون.