حتشبسوت أو «ماعت– كا– رع» المرأة القوية الناضجة الطموحة، استطاعت بقوتها وشخصيتها أن تتولى شئون البلاد وأن تدير دفة الأمور.. فهى ابنة ملك وأخت ملك وزوجة ملكية تشبهت بمنظر الرجال وارتدت زيهم واستعملت الذقن الملكية المستعارة الخاصة بالملوك، حكمت عشرين عاماً، كرست كل جهودها فيها للإنشاءات المعمارية، ساد السلام ربوع البلاد فى عهدها وخرجت القوافل والأساطيل البحرية التجارية المصرية إلى البلاد الأجنبية فى أقصى الشمال وأقصى الجنوب لتبادلها بمنتجات تلك البلاد.. ويقول د.أحمد فخرى فى كتابه «مصر الفرعونية»: نرى على جدران معبد الدير البحرى وفى مبانى معبد الكرنك قصة حياة هذه المرأة الجبارة، فقد ادعت انها ليست من صلب أبيها، وإنما هى ابنة للإله آمون رع الذى اختار أمها الملكة أحمس لتكون أماً لابنة له تحكم مصر ورسمت مناظر هذه القصة على أحد الجدران فى المعبد، وقصت على جدران آخر قصة طويلة تتلخص فى أن أباها «تحتمس الأول» بايعها بالملك فى حياته عندما كانت فتاة شابة، وأن الكهنة وكبار رجال الدولة وافقوا على ذلك، أى أن كلاً من تحتمس الثانى والثالث كانا مغتصبين لحقها.
عندما يقف الزائر متأملاً مسلة «حتشبسوت» الباقية من مسلتين كلفت الملكة الجليلة مهندسها «سنموت» بتقطيعهما من محاجر أسوان وأمرت بإقامتها لأبيها «آمون» فى ساحة الأعمدة التى تتوسط الصرحين الرابع والخامس من معابد الكرنك.. المسلة ترتفع إلى نحو 30 متراً ويبلغ وزنها 323 طناً يشعر بقيمة هذه الملكة التى سجلت على قاعدة المسلتين قصة قطعهما.
هذه المسلات التى أقامها الفراعنة تقف اليوم شامخة عن كل لغو باطل كأنها سبابات مرفوعة تأمر بالصمت كى يسمع الكون ترنيمة الفكر المصري.
شيدت حتشبسوت واحداً من أعظم وأفخم الآثار المعمارية التى خلفتها الدولة الحديثة، وهو معبد الدير البحرى على الشاطئ الغربى للنيل بمدينة الأقصر فى العام الثامن أو التاسع من حكمها على يد مهندسها «سنموت» الذى شيده بطريقة تدل على مهارة المصرى القديم فى التوفيق بين مبانى المعبد وبين الجبل الطبيعى الذى نحت فيه أغلب أجزائه.. يقول جويس ميلتون فى كتابه «مصر مشرق القوة» عرض المرحوم مختار السويفى بجريدة «الأخبار» فى 17 ديسمبر 1984: دونت الملكة تقريراً مفصلاً مدعماً بالصور الوصفية لتلك الحملة البحرية التجارية الشهيرة التى أبحرت فيها الأساطيل المصرية إلى بلاد «بونت» يقال إنهما الصومال واليمن أو هما معاً.
تميزت الرحلة التجارية التى جهزتها الملكة «حتشبسوت» بأنها أكبر الحملات التجارية التى أوفدها ملوك مصر السابقون لاستيراد حاجيات البلاد من منتجات «بونت» كذلك فقد كانت الحملة مجهزة فيما يبدو بمجموعة من الفنانين الرسامين الذين قاموا بدور «الصحفيين» الذين كتبوا أدق «ريبورتاج» علمى مصور فى وصف بلاد بونت سواء من الناحية الطبيعية أو البيذية أو من ناحية جغرافيتها البشرية والأجناس المختلفة التى تسكنها وتقاليد وعادات الأهالى الذين يعيشون هناك، هذا بالإضافة إلى دراسة علمية ممتعة لمختلف ممتعة لمختلف أنواع الأسماك والأحياء المائية فى البحر الأحمر وتذكر النصوص التى نقشت فوق أهالى بونت دهشتهم لجرأة البحارة المصريين كيف وصلتم إلى هنا؟ إلى هذا البلد الذى لا يعرفه الناس.. هل أتيتم عن طريق السماء؟ أو أبحرتم على ظهر الماء.