رسم خبراء السياسة والعلوم الاستراتيجية خريطة كاملة لتطور الأحداث فى الشرق الأوسط ومستقبل الصراع وتأثيره على المنطقة، كما حددوا خلال ندوة المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية أهم ملامح المخطط الإسرائيلى فى المنطقة والمعادلات السياسية والعسكرية وتأثيرها على الأمن فى الإقليم والقرن الأفريقى
عكاشة:
حسابات سوء التقدير
قد تجر الإقليم لحرب كبرى
الدويرى:
غزة ولبنان جزء من مشروع
تل أبيب للتوسع فى المنطقة
نيفين مسعد:
محاولات إسرائيلية لزحزحة
المنطقة العازلة
بين الجولان وسوريا
برزت معادلات كثيرة فى الشرق الأوسط منها دخول إيران على الساحة والتهديدات الإسرائيلية فى القرن الافريقى وتهديد الممرات الملاحية التى يتم عسكرتها منذ عام 2003 فالقضية الفلسطينية لم تعد هى المغزى وإنما من وراء ذلك كله مخطط لتغيير خريطة الشرق الأوسط.
قال د. خالد عكاشة مدير المركز أن حالة اللا يقين ما زالت تشكل الإطار الحاكم والمعبر عن الأوضاع الحالية بالشرق الأوسط، وحسابات سوء التقدير قد تجر الإقليم إلى حرب كبرى ذات تداعيات حرجة، وارجع عكاشة ما يحدث فى المنطقة من اضطراب إقليمى إلى التداعيات الناجمة عن الثورات العربية لعام 2011.
مشيرا أن إسرائيل تسعى إلى إحداث «نكبة فلسطينية جديدة» وتشكل ذلك فى تجاوزات المواجهة بين إسرائيل وإيران وامتداد التصعيد العسكرى الإسرائيلى من غزة إلى الساحة اللبنانية.. فكل ذلك يمهد لدخول الإقليم فى حرب شاملة فى ظل غياب فرص التهدئة وتمتع إسرائيل بالدعم اللا محدود من القوى الغربية.
أضاف أن التصعيد الحوثى فى منطقة البحر الأحمر وخليج عدن كشف عن حجم الترابط والتأثير العميقين بين إقليمى الشرق الأوسط والقرن الأفريقى كما أن البُعد التكنولوجى وخاصة السيبرانى فى صراعات الشرق الأوسط زاد من الصراع.
من جانبه أشار اللواء محمد إبراهيم الدويرى نائب مدير المركز والذى تناول فى كلمته «مستقبل المشروع العسكرى الإسرائيلى فى غزة ولبنان» إلى أن جنوب لبنان وقطاع غزة هما جزء فقط من المشروع الإسرائيلى الشامل، والذى لا يمكن حصره على الجانب العسكرى فقط. فالمشروع الإسرائيلى العام يتضمن خطة طويلة الأمد يتم تنفيذها على مراحل، وارتكزت على ثلاثة محددات: وهى الاندماج الإسرائيلى الكامل فى المنظومة الإقليمية بالمنطقة فى كافة المجالات، عبر محاولة إيجاد قواسم مشتركة مع الدول العربية ومنها خطر الإرهاب. والتركيز على إيران كخطر يهدد المنطقة العربية واستغلال الانقسام الفلسطيني.
أضاف الدويرى أنه يتوقع ان يستمر النهج الإسرائيلى الحالى فى المنطقة وهناك إجماع إسرائيلى على هذا المشروع، وتتحرك القطاعات الإسرائيلية كافة على أساسه أن هناك إجماع أمريكى راسخ لاستمرار المشروع الإسرائيلى فى المنطقة.. أوضح ان عدم وجود ممانعة إقليمية للتطبيع مع إسرائيل. أدى إلى سعى تل أبيب فى الوقت الحالى لتمهيد الطريق أمام رؤيتها الخاصة لشكل اليوم التالى فى قطاع غزة عقب انتهاء الحرب حيث تحاول فى المرحلة الحالية، تفكيك المقولة العربية التى تقضى بأن عدم حل القضية الفلسطينية سيخلق حالة عدم استقرار فى المنطقة.
أضاف الدويرى أن إسرائيل عملت لفترة طويلة على التأكيد أن هناك أوضاعاً إقليمية أخرى تستحق الاهتمام الإقليمى والدولى ولا ترتبط بالقضية الفلسطينية. كما عملت إسرائيل على الفصل بشكل كامل بين ملف التطبيع وملف القضية الفلسطينية.
كما ان إسرائيل تسعى لخلق أمر واقع على الأرض خاصة فى الضفة الغربية وقطاع غزة، وهو ما لا يبشر بإمكانية تأسيس دولة فلسطينية فى المدى القريب. وأن المشروع الإسرائيلى يسعى لوضع المنطقة بين زاويتين، الأولى هى «لا استقرار» والثانية هى «لا انفجار».. ومن ثم من الضرورى إيجاد مشروع عربى شامل لمواجهة المشروع الإسرائيلى الشامل فى الفترة المقبلة.
ركزت د. نيفين مسعد، أستاذ العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، عن آفاق التصعيد الإسرائيلى الإيرانى وانعكاسه على الأمن الإقليمي، مشيرة إلى أن المواجهة المباشرة بين إيران وإسرائيل تتصاعد فى المنطقة مع وجود أذرع إيران وهو ما يجعل هناك وتيرة منتظمة للصراع لا تصل إلى حد الانفجار ولكنها لا تحقق استقرار.
لفتت إلى أن الصراع قد يشهد تهدئة بين إيران وإسرائيل، نظرًا لاشتداد الحاجة إلى إعادة ترسيم خرائط المنطقة وتحقيق الاستقرار. فإسرائيل تريد إعادة تشكيل الشرق الأوسط، وإيران تريد الحفاظ على مشروع «التشيّع» السياسي.. أضافت أن ما يشكل خطورة حاليا هو محاولة إسرائيلية لزحزحة المنطقة العازلة بين الجولان المحتلة وسوريا فى إطار الخرائط الإسرائيلية الجديدة للشرق الأوسط. ورغم حالة التماسك السورى حتى لا تنجر للحرب.
أوضحت أن تصريحات الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب حول أن «حدود إسرائيل لم تعد كافية» يجب أخذها على محمل الجد، كونها تعكس حقيقة المشروع الصهيونى الأمريكي.. وهناك محاولات لتفكيك الدول العربية.
أشارت مسعد إلى أن مصر تحافظ على التوازن الإستراتيجى فى علاقاتها الإقليمية فى ظل اشتعال حدودها، ومصر تدير سياستها الخارجية بشكل يجعلها أكثر قدرة على التعامل مع التحديات فى المنطقة.
بينما يلقى الصراع فى السودان والاضطرابات فى الصومال بظلاله على التهديدات فى القرن الافريقى وعلى التحديات التى تواجه منطقة الشرق الأوسط، فالقرن الافريقى وإقليم الشرق الأوسط مرتبطان ببعضهما كما يقول السفير زيد الصبان مدير إدارة السودان والقرن الافريقى بجامعة الدول العربية، الذى أشار إلى أن الحقبة الحالية تشهد غلبة المصالح الاقتصادية الجيوسياسية غير المبنية على الأيديولوجيات القومية والدينية. والدوافع التى تقود المشهد الصراعى هى دوافع بارزة تخرج عن المال والتجارة وفتح الباب أمام استخدام القوى العسكرية. فالصفقات الحالية تتداخل فيها المصالح الدولية مع المصالح الإقليمية مثل السد الإثيوبى أو السيطرة على الاقاليم الخصبة الصالحة للزراعة مثل الحالة السودانية أو الصراع على المعادن فى المثلث بين كينيا والصومال، والسيطرة على موارد الذهب وإنشاء موانئ على الممرات الدولية مثل خليج عدن.
أضاف أن مصر أسهمت والدول العربية فى تحول الصومال من دولة تواجه التحديات إلى دولة وطنية، من خلال الاتفاق العسكرى لدعم وسيادة ووحدة الأراضى الصومالية.
بينما تحاول إثيوبيا ومن وراءها قوى أخرى مختلفة، ليس إسرائيل فقط، ان تكون قوى كبرى فى القرن الأفريقي.. ولعبت جامعة الدول العربية دورًا مهمًا فى منع تفكيك الدولة السودانية ومنع إسقاط الدولة الصومالية.
وكشفت د. دلال محمود أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة أن هناك 10 دول من أصل 39 قوة عسكرية عالمية موجودة فى منطقة الشرق الأوسط، أى ما يعادل 26 ٪ من أهم القوى البحرية فى العالم، والتى تظهر فى صور عديدة منها قواعد عسكرية، حضور قوات، وعمليات عسكرية وهو ما يجعل هناك عسكرة للممرات الملاحية فى منطقة الشرق الاوسط وهى ليست موجودة حاليا لكنها تشكلت من 2003 مع بداية التغيرات التى حدثت فى المنطقة.
أضافت أن مضيقى هرمز وباب المندب هم ثانى وثالث أهم مضايق العالم وهناك تهديدات مرتبطة بالتوتر بين إسرائيل وإيران تثير مخاوف من أن تمتد هذه التهديدات إلى كل دول منطقة الشرق الأوسط إذا خرجت عن الحدود المنضبط وهناك تنافس دولى كبير ينشط فى الأقاليم الإستراتيجية على رأسها إقليم الشرق الأوسط وخاصة فيما يتعلق بالممرات الملاحية الموجودة بالمنطقة.
أكدت ضرورة أن يكون هناك دور مشترك بين مصر والسعودية فى أمن البحر الأحمر بسبب ثقلهم ودورهم الإستراتيجى فى العديد من الملفات.. كما أنه لابد من وجود رؤية عربية مشتركة لوضع ترتيبات أمنية لتشكل نظاماً أمنياً مستقراً نسبيًا فى المنطقة.
قال الدكتور محمد مجاهد الزيات، المستشار الأكاديمى للمركز المصرى للفكر والدراسات الإستراتيجية أن ما تشهده المنطقة هو حرب غير مسبوقة فى التاريخ العسكري، يستخدم فيها التقدم الإسرائيلى فى الأسلحة والحروب السيبرانية وغيرها من الأدوات الفاعلة والجيش الإسرائيلى لا يحارب وحده لكنه مسنودًا بأقوى خمسة جيوش فى العالم.. وبالنسبة لمواجهة إسرائيل مع إيران، فهدفها ليس تدمير إيران ولكن تحجيم موقفها، ووجود إيران مهم لتخويف المنطقة.
ومن جانبه قال الدكتور محمد كمال مدير معهد البحوث والدراسات العربية إن هناك أزمة ممتدة وهيكلية فى منطقة الشرق الأوسط، وما يحدث فى الشرق الأوسط لا يقتصر على الشرق الأوسط فحسب، وإنما له امتدادات تمس العالم والاقتصاد العالمي، وكان فى البداية هناك توجه لفصل القضية الفلسطينية عن قضايا المنطقة، ولكن أتضح أن هناك ارتباطاً كبيراً بين القضية الفلسطينية وباقى القضايا فى المنطقة.
أضاف أن الأزمة كاشفة لطبيعة النظام الدولي، حيث سقط مفهوم النظام الدولى القائم على القواعد والقوانين الدولية ولا يوجد مؤسسات دولية حريصة على تطبيق هذه القواعد بالإضافة إلى هناك سقوط أخلاقى للغرب والنظام الدولى يتسم بالضعف، نتيجة السقوط الأخلاقى للغرب وازدواج المعايير.. وتراجع الدور القيادى للولايات المتحدة الامريكية حيال أزمات منطقة الشرق الأوسط، كما لا توجد قوى كبرى أخرى توجد فى العالم تملأ هذا الفراغ الأمريكي.